أعلان الهيدر

الثلاثاء، 16 يونيو 2020

الرئيسية قراءة في قصة قصيرة ( رحيل سعيد ) للقاصة فايزة زاد من الجزائر.

قراءة في قصة قصيرة ( رحيل سعيد ) للقاصة فايزة زاد من الجزائر.

غريبي بوعلام



رحيل سعيد


// رفساته لا تكاد تشفى من على جسدي، كلما يدخل مساء عائدا من عمله، يمر على والدته توشوش له في أذنه فيحتسي سيول الغضب دفعة واحدة ويترجمها بالنط على جسدي النحيل حيث اكون، حتى و انا أحمل في احشائي بذرة خطيئتي معه، حتى وهذا البطن يعصي أماني الشغوفة لهزال اتوقه ولو عن طريق النزيف، اقبل أن أنزف وينتهي ما يربطني به...حتى لو اموت معه على ألا يطول عهد العبودية ها هنا... لولا التلفزيون الذي تصدر منه حكايات تثبت عكس ذلك... وتخدر رغبتي في الهروب من غار الغولة لفقدت عقلي...

لقد فقدته عدة مرات، وهمت خارج البيت لساعات طوال، وعندما كان يحل الظلام اعود صاغرة لرفسه المجنون...ثم آوي إلى فراشي و أتكوم به مخدرة وزاهدة في جسد ليست لي سلطة عليه، جسد يتوق لرفض الخضوع ولو مرة واحدة، أحس بها أنني امرأة يمكنها أن تقرر شيئا ولو كان تافها، لكنني دائما أجبر...أجبر حتى على أكل أشياء لا أحبها، إذ لا يمكنني سد جوعي متى رغبت أنا... و إنما بعدما يهجرون الطاولة، فلا أعثر حتى على بقاياهم، وبقاياي أنا ستبقى هيكلا لا يخيفهم، بل أحيانا يبعثهم على الضحك، وهم يختارون لي ما البس كل عيد...تتوكأ أمه على عكازها اللعين وتخرج لتمثلني في الشراء، ولتمنحني وجبة لمجالس الساخرين...وصبيحة العيد رحت أصاعد مع ذنوبهم ارتقي للسموات العلى، طلقة المحيا أرفرف بأجنحة الخلاص، أخيرا أهدتني إحدى رفساته الموت الرحيم (بالنسبة لي ولبعض مشيعي جنازتي... _ والله ريحت.. ) الراحة التي كنت أنشدها.

----------

كنت قد كتبت قراءة من مدة قصيرة للقاصة فايزة زاد عنوانها ( فروض الطاعة ) طرحت فيها موضوع ظلم الزوجة لوالدة زوجها، في هذه القصة طرحت نفس الموضوع لكن من جانب أخر، ظلم والدة الزوج لزوجته، كأن للقاصة مشروع أدبي قصصي، تطرح من خلاله تلك المشاكل العائلية التي تنخر الأسرة من الداخل و لا أحد يحاول أن يعري هذا الموضوع، أو يكتب و يبدع فيه، لهذا أرى أن للقاصة جرأة في طرح هذا الإشكال الذي يلفه الخفاء في دُرج الكتمان، و أقترح عليها أن تواصل في معالجة كل الجوانب المرتبطة بهذه المواضيع الاجتماعية الأسرية في قالب قصصي أدبي جذاب.

استعارت القاصة لسان بطلتها، لتقص لنا تلك الدراما، بلا مقدمة جعلت القارئ في قلب الحدث، غمسته فيه إلى قمة رأسه، بداية من ذلك الرفس الذي غرس المرض على جسد البطلة، و لا أمل لها من الشفاء منه، كان سبب تعاستها تآمر زوجها مع والدته عليها، بمجرد عودته من عمله توشوش له في أذنه كما يوسوس الشيطان للعباد بالسوء و المنكر، لتجعله كقنبلة غضب ليفجّر باروده في زوجته بالرفس و الركلات القوية على جسدها النحيف و بطنها المنتفخ بالمولود الذي ينتظرانه، مع أنها زوجته إلا أنها تمنت لنفسها الموت و لجنينها، كي تنجو بنفسها من ذلك التعذيب و القهر و العبودية، و تتخلّص من بذرته في أحشائها التي كانت تراها كالخطيئة التي يجب التخلص منها بالإجهاض، رغم بعض الهواء النقي الذي ينعشها و هي خارج جحيم البيت، إلا أنها تعلم ما ينتظرها مع عودة الزوج، كل مساء نفس القصة تتكرر إلى أن كادت أن تكون عادة، و تواصل القاصة في سرد جحيم البطلة على لسانها، بالتلميح إلى معاناتها الجسدية على فراش الزوجية، و الفُتات الذي يحسدونها علية و يحرمونها منه، و كيف يعايرونها و الضحك على حالتها المزرية التي تقطع القلوب، في الأخير تختم القاصة ذلك برفسة قوية جعلت البطلة تصعد روحها إلى خالقها، التي رأت فيها رحمة أو هدية من السماء.

كان يمكن لهذه القصة القصيرة أن تكون رواية، لكن القاصة بذكائها الإبداعي عرفت كيف تختزلها و تختصرها في بعض السطور، دون أن تخل بعمق تلك القصة الطويلة المضغوطة في هذا السرد الأدبي القصير، كانت تعطي للقارئ نوع من التلميحات أو الومضات ( الفلاشات ) البارقة التي شيّدت بها صرح قصتها التي توحي للقارئ بأحداث أخرى يمكنه تخيلها، لها علاقة مع الفكرة الجوهرية للقصة، كأن القاصة كانت تفتح شهية التخيّل عند القارئ الحصيف، و تجعله يتخيل معها و يشاركها ما يجول في خاطرها و هي مع مخاض قصتها، إنها دعوة خفية من القاصة للقارئ ليشاركها ليس بالقراءة فقط بل حتى بالإبداع و الكتابة، من قوة امتزاجه و تفاعله الكبير مع أحداثها الدرامية المؤلمة، ربما يتساءل القارئ كيف ذلك، إنه احساس عميق مبثوث في ثنايا القصة، يجد القارئ الموهوب صداه في أعماقه إلى درجة أن يلهمه بالكتابة في نفس الموضوع بأسلوبه الخاص و حسب الصور المنطبعة في خياله، كل هذا راجع إلى ذلك التكثيف الرائع مع حسن استعماله بحرفية راقية، و هو يحمل في طياته رسائل مشحونة على أجنحة إيحائية، تخترق وجدانه دون إذنه و تفعل مفعولها في أعماقه كأنه أحد أبطال القصة.

لا نجد صور بيانية كثيرة في هذه القصة إلا اثنتين، الاستعارة في قولها ( فيحتسي سيول الغضب ) لتظهر لنا شدة غضب الزوج ،و الكناية في قولها ( غار الغولة ) هو بيت والدة زوجها و ما تحمله كلمة ( غار ) من إيحاء بالظلام، كذلك كلمة ( الغولة ) و ما تحمله من ظلم و تغوّل، و سبب ذلك راجع إلى اهتمام القاصة بسرد الأحداث المؤلمة التي أثقلتها من الداخل، كانت تريد التخلص من وطأة ذلك الوخز الروحي، كانت تمارس نوع من التفريغ النفسي على الورقة البيضاء عبر قناة القلم إلى أن تشابها حبرها بالدمع.

بطلة القصة اتسمت بكثير من السلبية، كبلها الخوف الشديد إلى أن شلّها كليا، حتى القاصة لم تجعلها ترد أو تدافع عن نفسها ولو قليلا، كأنها تعمّدت اسقاط كل أسلحة الدفاع عن نفسها ولو باللسان، رسمت لها تلك النهاية المأسوية في ذهنها من البداية، لتنتهي بموتها التي كانت ترى فيها خلاصها الوحيد، أو ربما تعمدت قتلها، لتظهر لنا مدى عمق و تجذّر معاناة تلك الزوجة أو الأنثى بصفة عامة في مجتمعنا، حتى العنوان فيه تلميح لذلك الموت الذي سيورّثها السعادة.

----------

غريبي بوعلام / الجزائر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.