أعلان الهيدر

الجمعة، 27 ديسمبر 2019

الرئيسية قراءة في قصة قصيرة جدا: " رميم "، للقاص أكثم جهاد من الأردن

قراءة في قصة قصيرة جدا: " رميم "، للقاص أكثم جهاد من الأردن

القاص والناقد غريبي بوعلام 
غريبي بوعلام


رميم

شرّعت نوافذها...غادرت أخر غيمة...لم تكترث للخريف...حين قرّرت اقتناص الرّبيع...نفد صبر العنكبوت.




كسّرت أجنحتها القديمة، استبدلتها بأخرى، فيها بريق الذهب، حلقت بها إلى السماء، حين هبت الريح، بعثرت البريق، تلاشت تلك الأجنحة، سقط ريشها لتخر على رأسها في ذلك المستنقع المُمَوه.

بدعوة تحرير المرأة، أخذت بطلة القصة في ممارسة حريتها بالمفهوم الذي يسلخها عن انسانيتها و يجردها من أنوثتها ليخرجها من سجن التهميش و الأغلال التي تكبلها، لكن المشكل بعد تحررها دخلت أو وقعت في سجن أخر ربما ستقضي فيه المؤبد إلى أخر نَفس لها.

هذا هو المحور الرئيسي الذي تدور عليه أحداث القصة المسرودة في قالب قصصي قصير جدا،موغل في رمزية راقية دون الوقوع في ذلك الغموض الذي ينفّر القارئ من النص الأدبي ،استعمل القاص في ذلك صور بيانية جميلة من استعارة و كناية و ترميز لأحداث و وقائع كان يمكن أن يسردها في فقرة أو ربما صفحة كاملة ،لكنه بحنكته السردية المكثفة تمكن من اختزالها و ضغطها في بعض كلمات اختارها بعناية فائقة ودقة مضبوطة و ربط بينها بذكائه الأدبي حيث نظمت ذلك السرد المكثف جدا، إلى أن كاد أن يكون ومضة قصصية دون أن ينفلت منه الحدث القصصي و لا عمق المعنى و لا الأفكار التي قدمها لنا بأدبية عالية، فيها الكثير من الاحتراف في الأسلوب السردي الخاطف الجذاب، الملفت للانتباه و الصادم للشعور من سرعة السرد المدهش إلى أن جعل القارئ يقرأ النص و يعيد عدة مرات دون كلل، باحثا عن المعنى الخفي خلف تراكيب الكلمات و بين الحروف، يكاد في كل قراءة يكتشف الجديد.

القصة من الوهلة الأولى تظهر و كأنها مفككة أو ربما مهلهلة النسيج،لكن القارئ الحصيف الذكي المحب لفن القصة يدرك بحسه الأدبي النقدي أن هناك ترابط متين بين جُمل القصة و تسلسل أحداثها المتنافرة في ظاهرها و المحكمة البناء في عمقها، هناك خيط أدبي رفيع جدا يربط بين تلك المقاطع بحيث يخيطها و يجعلها متماسكة كالنسيج المحبوك، لترسم تلك الزخرفة الفنية على لوحة أدبية يراها ذلك الخيال الخصب و كأنها شاشة في ذهنه.

المفارقة كانت في المستوى المطلوب، حققت من قوتها الخاتمة المدهشة المعروفة في فن القصة القصيرة جد، جعلها الكاتب تحتمل أكثر من معنى ،و هذا ما عمّق القصة و زاد من جمالها بالإضافة إلى جمال الصياغة الأدبية ( نفذ صبر العنكبوت ) يمكن تفسير هذه الجملة نفاذ صبر ذلك الرجل الذي نصّب شبكته لبطلة القصة التي أنتظرها طويلا لتقع و لا ندري هل وقعت أم لا،و يمكن تفسير نفاذ الصبر بافتراسه لها و هي تبحث عن الربيع عن العاطفة عن الحب بعد أن أهدرت خريف عمرها في اللهو و الحرية الزائفة التي شردت قلبها و مزقت حياتها إلى أن صارت ميتة أو ميتة الروح و الوجدان و يصادق هذا المعنى عنوان ( رميم ) و ما يحمله إيحاء الموت و فراغه من نخاع الحياة الزكية الراقية للأنثى.

في الأخير العنوان خدم كثيرا عمق القصة،تمكن من تلخصيها جيدا، كان موحيا دون الوقوع في التصريح المباشر و الغموض المبهم، كان وسطا بينهما، تمكن من توجيه القارئ ليفتش عن معناه في ثنايا القصة.



غريبي بوعلام / الجزائر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.