أعلان الهيدر

الاثنين، 25 فبراير 2019

" شجرة وارفة "


محمود حمدون



للموتى حديث همس لا يسمعه إلاّ الأحياء .. عبارة ألقتها بوجهي , حينما قرأت تلك السخرية التي حلّت بيّ و أنا اسمعها تتحدث لأشباح ..
طقس أسبوعي لا تملُّ منه كما لا تحيد عنه, عصر الأربعاء , تستقل سيارة " أجرة " تنتهي بها عند " بوابة الوداع " , المدخل الرئيسي للمقابر , لا تنسى قبل الدخول أن تبتاع " جريد نخل " نديٌّ أخضر اللون , بصحبتها قارورة مياه .. ثم تنطلق في خط سير دون وعي , تسوقها قدماها إلى مقبرة متهدمة من بعض جوانبها , تستظل بشجرة عظيمة وارفة , ترتفع حتى عنان السماء , تضع " الجريد برفق على سطح المقبرة ," تنثر عليه بعض المياه , تفترش أمامها " سجادة " قديمة ,ثم تستوي جالسة أمام شواهد بالية لعائلة مات أغلبها.. 
تسترسل في الكلام مع أمها , خالاتها , جدتها .. حديث يتدفق بين طرفين , هي و أخريات تحت التراب.. جدل ينشب , صوت يعلو , أغلظ الأيمان تنطلق من فمها , تُفسم أن هذا ما حدث .. تُنصت ,تنفي , تؤكد ..تهز رأسها .. تحكي ما بجعبتها ,عن جفوة من بقي من الأهل , عن شجارها مع بعض الجارات , عن سعال شديد إثر دور برد أصابها ... كسل الأبناء و تأخرهم الدراسي .. عن حُلمها في أداء " عمرة " .. بالإنابة عنهن جميعياً.
قبيل المغرب تنهض , تنفض عن ملابسها غبار هو بقايا أجساد فنت من قديم الأزل , تطوي " سجادتها " تقرأ الفاتحة , تودّعهم بعبارة مقتضبة و عينيها مختنقة بالدموع : " عايزين منيّ حاجة , أنا ماشية بقى"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.