حركاتي لعمامرة
كلما حلً الخريف و رأيت الآطفال بملابسهم المزركشة كالفراش في فصل الربيع وهم يرتدون مآزر زرقاء ويحملون محافظهم وهم قاصدين باب الأمل والعلم ، وهم يلجون مدارس الغد من ابوابها الواسعة لينهلوا من نبعها الصافي الرقراق ..
انها عودة تلاميذ المدارس التي كلما حلت حل حزن عميق ، يملأ قلبي او اكاد ان انفجر بالبكاء ، رغبة مني في إفراغ ماترسب من بقايا عقود ثلاث من الزمن قضيتها في قطاع التربية ، كانت حافلة بالأحداث وعامرة بألآف المعارف من زملاء وتلاميذ واولياء واصدقاء ...كانت مسيرتي حافلة فعلا إلا انها كانت حزينة ...لست ادري ماسبب حكمي عليها بهذا الحكم إلا انني احمل غصًة في صدري ...لست هنا اتذكر تلك الأيام التي ظلمني فيها المسؤولون وحرموني من أبسط حقوق المعلم ولحد السًاعة تجدني حائرا في الفائدة التي يرجونها من عرقلة المعلمين المبدعين والمطورين للقطاع والذين سرعان ما يصطدمون بجدار منيع يحد من طموحاتهم ، فيتم كبح احلامه واماله وتبقى المدرسة تعاني وتبقى الغصًة في الصدر تراوح مكانها ، رغم ان فريقا كبيرا من تلاميذنا قد خطا خطوات جبارة في شتى الميادين إلا ان شائبة النقص مازالت تلازم عملنا كمربين لأننا كنا نعمل مع إدارة هي ابعد ماتكون عن التربية...
التلميذ هواضعف حلقة في السلسلة التربوية ، فهو مصدر الرزق وهو المنبع الأول للرسالة التربوية ،إلا انه يبقى عند المسؤولين آخر الإهتمامات ....ولولا لطف من الله ونزاهة بعض المربين النزهاء لما تلقى اليتيم تعليمه ولما نالت البنت المعاقة شيئا من العلم ...كنا ونحن في أقسامنا كالفراش اوكالنحل حين يسعى لجمع شهد لذيذ ...وكان الصًغار وعلى الرغم من ضعفهم في التأثير إلا انهم كانوا نعم الجيل الذي نال من المدرسة بسلاسة ويسر مايريد ونحن في غفلة من امرنا ...والحق اقول اننا كنا نعلم جيلا كالملائكة لا يعصون لنا امرا ويفعلون مابه كانوا يؤمرون ، فنالوا ماتمنوا وكانوا قادة الجيل الجديد ...
هي شذرات مما تذكرت خلال ما عاصرت اما عن ذاكرتي كتلميذ فإنني مازلت اذكر محفظتي البنية اللون والتي صنعت من جلد طبيعي والتي لازمت اغلب مراحل عمري الذي قضيته في الذ مدارس العالم وعلى فقرها كانت منارات للعلم ...اتذكر قريصاتي وحشيباتي ولوحتي وكتابي وطاولتي الملساء وزميلي وزميلتي اتذكر محبرتي وذلك الحبر البنفسجي الذي يحضره الحارس قبل الدرس بقليل ...وكانت رائحة المطعم تفوح لتخترق انوفنا ونحن بالأقسام لتحرك مواجعا في بطوننا وننتظر تلك الراحة بشوق كبير لنعدو ونمرح في ساحة عذراء تعج بالنخيل او اشجارالفقيس
كان عمي مسعود يحضر لنا حليب الصبا ح ليوزعه علينا في صباحات الشتاء الباردة وكنا نستلذ ذلك الكوب من الحليب وقطع الشوكولا اللًذيذة وندخل الأقسام واسناننا تصطك لشدة البرد ، ورغم الفقر الذي كنا عليه إلا ان لذة الحصص لاتضاهى،فقد كان عمار نايلي ذلك القروي الذي انار عقولنا والأستاذ حمودي بوسليماني وهو يرضع لنا اللًغة الفرنسية من مصدرها...كانت اياما وعلى بساطتها افضل بكثير ممايتلقاه طلبة كبرى الكليات حاليا ... إييييه يازمن ...أين لذة الدروس وعبق رائحتها الطيبة الجميلة التي كانت في طفولتنا ، ومرت تلك السنوات كنسائم صيف لطيفة ، لم تفتح اعيننا إلا وكل شيء قد فقد نكهته وصار الحال على ماهو عليه فلانحن عدنا الى سابق عهدنا ....ولانحن خطونا خطوات نحو المجد ...اما انا فمازلت احتفظ بلعبي ومحفظتي وصورمعلمي ومعلماتي وصورة عمي مسعود وهو في تسارع مع الزمن يجمع حطب الكروش ليزود به المدافيء التي تشتغل بالحطب ونحن في جو رومنسي بهيج وعمي محمود عطافي وهو يسدي نصأئحه لنا رحمة الله عليه..وذكرى طيبة لك يا مدرستي....
حركاتي لعمامرة. بسكرة 01 سبتمبر 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق