سعاد إلزامك
وقفت تحمل خنجرها أمام مخدعه و هو يغط في أحلام عُرسه ، تتنازعها أحاسيس شتى ما بين لهفة أم على وليدها و بين ثأر لابد أن تزيح عبأه عن كاهلها . لم تكن تدري أن نزاعه و شقيقها على تلك الفتاة سوف يودي بهما إلى طريق الهلاك معا ، و أن شيطان الغل سيُفقدها أعز من لديها بالحياة .
عندما حملوا إليها جثمان أخيها راحت تتحسس الأنباء عن اسم قاتله ، راوغها الجميع بإنكار معرفة حقيقة الأمر ، ثم سقط الاسم خلسة عن ثغر ثرثار لا يعبأ بحالها . أرهقتها تباريح الحيرة .. أتطيع أمومتها و تُبقي على حياته و تُدنس واقعها بالعار ؟ أم تُرديه أخذا بالثأر ؟
حاولت طعنه مرارا إلا أن شجاعتها كانت تعصاها في كل مرة ، تأرجحت كفتي حبه و حب أخيها صعودا و هبوطا ، كاد فؤادها ينفطر وفاءً لكليهما . كانت الجريمة التي ستقترفها تُزيد من شحوب ملامحها ، ثم تكر عليها فكرة الانتقام لتهزمها و تجندل ترددها ، تغرس أنيابها في كيانها فيحتقن وجهها غضبا ، و يُسَيل شلالاً من القسوة ليُغرق كل مشاعر حنان أو شفقة عليه ، و ما يكاد لظى غضبها يجفف دموع الحنين حتى تكابد مرارة دمعات الانتقام .
ظلت كسفينة متهالكة نخر الدهر بدنها تتلاعب بها الأمواج الحانقة ، أو كطائر جريح ضل مساره فهوى بين طيات الريح العاصف ، راحت تتأرجح بين عواطفها المتنافرة ، ما يكاد غضبها يهدأ فورته حتى تفور ثورته من جديد .
راودتها مشاهد متضاربة عن قرارها ، فعصفت بكيانها .. جثمان أخيها المُدرج في الدماء الثخينة ، نواح نسوة القرية ، نظرات تتساءل عن مقدرتها في الأخذ بثأره . طغى ما ترعرعت عليه من مفاهيم على عاطفتها ، فآثرت أن تُلبي رجاء طيف شقيقها المُسجى في مقلتيها منذ رحيله ، طَفِقت تخصف على أمومتها بآثام جريرتها بعدما إنسلَّ سيف العادات من غمد حيرتها ، فقَدَّ عقلها .
خرجت نائحة تزغرد ، صاحت قائلة : اهدأ ابن أم في مثواك فقد قتلت فلذة كبدي و قاتلك ، و استجبت لنداء القدر ، فلا مناص من فناء أسرتنا الملعونة تحت وطأة العار . ثم طعنت أحشاءها التي حملت بين طياتها تلك النطفة المشؤمة ، سقطت تترنح بين ذكرياتهم الفانية و سخرية قريتها من أم سفحت دم ابنها على مذبح الأعراف الرثة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق