أعلان الهيدر

الجمعة، 23 مارس 2018

الرئيسية الرداء الأخير !

الرداء الأخير !


رحو شرقي


كان الحال غير ميسورا ، لا نملك جبّة تقينا حرّ الصيف الممطر من سماء تعلوها
صفائح حديدية !..
يقال عليها في ذلك الوقت ، أوج عطاء معرفي .
الكثير من سكان الحي العتيق لا يملك المال لشرائها ، لكن أصحاب المحلات جعلوا بيعها بالتقسيط .
في العقد الثاني من العمر ، لا نولي اهتماما لما يجري من حولنا ؛ باللعب والجري وراء الكرة .
وعندما يأخذ منا الكلل نرجع إلى لعبة الحماية والسلطان ، توزع فيها أوراقا مطوية بأمان والخاسر يعزر بطريقة الصبيان .
حينما ، يشتد بنا الجوع كانت تطعمنا الأم عائشة وغيرها من الأمهات .
لا نبالي ، لنا في كل زاوية يد ترعانا وعين تحرسنا من الزمن .
نترقب مرور المعلم للتخفي وراء أزقتنا الضيقة خوفا واستحياءا ، كأنك تمارس لعبة التخفي ( الغميضة) .
إلا أننا في بعض المرات ، لا تنجوا من مدرس القرآن وعند ختم اللوح المكتوب بيراع نغمسه في الدواة المصنوعة من الليق وأحيانا لا نجد الصوف لكثرة الحاجة إليه .
فنجمع شقائق النعمان ونحولها من متعة الناظرين إلى بهاء رسم الكلمات بمدادها البنفسجي .
نقيم في كل يوم أربعاء حفلة دون عزومة وغير معلنة ، بالأطعمة ( الكسكسى ، الشاي ، المسمن ، الرقاق ، والبغرير، أصبحوا يسمونه المقعر أو Mille Trous ....) لا ندري أهو تأثرا بالهوائي المقعر أو رياح غربية غزتها خَبِيز الأم عائشة ؟!..
خاننا الزمن وأصبحنا لا نلتقي إلا على تلك المقاعد الخشبية ، نتناول قطع السيجارة وراء الحائط الخلفي لمدرستنا ، تأثرا بومضة قصصية عفوا اشهارية " Marlboro أكثر رواج في العالم ، على يد ذلك النجم السينمائي الوسيم "
كان يوصيني أبي قائلا " وسامة الرجل في عقله وليس بالعضلات المفتولة " حتى صديقي الطبيب اخبرني أنهم يستعملون الأقراص لكمال أجسادهم !...
يا ليتها كانت غذاءا لأرواحنا وأفكارنا !...
وغادرنا الكتاتيب بحجة أن مدرس القرآن يستعمل معنا مناهجا قديمة ، حتى وجدنا أنفسنا أمام زمن الأزرار على العراء !...
افترقنا من بهاء المدينة القديمة مبكرا ، أصبح حديث الساعة بالمُودَة La Mode وماركات العطور والتباهي باقتنائها من محلات باريسية .
إلا Made in Algeria , ونوعيات الأكلات الغربية والفاست فود ، وووو....
أتذكر جيدا قِدر الحمص المغلي والفول ( الشرشم ), العنب المجفف مع التين ومازالت نفسي تشتهيه .
مازلت اذكر الحاج مصطفى الذي كان يعيل الأرامل والأيتام مما يجودون عليه أهالينا و في الليل يتحرك متخفيا لكي لا يشاع أمره بين الناس ، حتى لقب بالملثم وكل عيان البلدة القديمة والأم مسعودة التي أرضعت أجيالا حتى صارت المدينة تنبض نبع الأخوة من الرضاعة ، رحمة ربي على أرواحهم الطاهرة والصومعة الشامخة .
وكان ذلك الأستاذ الفنان عبد الحفيظ يُخرج لوحته الخشبية في ساحة المدرسة وبعد المداعبة بريشته السحرية تراها حلة ناطقة بالجمال .
مازالت رائحة القهوة أزكى وأطيب من رائحة القرنفل في ذلك المساء وخبز الأفران كالورد على عمامة بيضاء .
والبساتين التي يزينها حَبُ الرمان مع التوت البري وجداول الماء .
الأتربة الساخنة التي كنا نضعها على أرجلنا لنرسم اثر أقدامنا الصغيرة البيضاء ، تحت أشجار التين وزهور اللوز المبتسمة .
كنا نسمع أغنية كان يا مكان ، بلادي فيها القوت ....وفين شيخنا ....
الله ... الله .....الله.....ما أجمله من حلم في غفوة !..
يا زمن ارجع ... يا زمن ارجع ؟! ...
هيهات ... هيهات ...
وما دخل ذلك الهوائي المقعر الذي أصاب حقولنا ؟!...
مالنا ولتقدمهم ، لثقافتهم ، لألوانهم ، لكل شيء من وراء بحارهم ؟!....
أما آن الأوان لننسج الرداء الأخير، ليقينا حرّ شتاءهم البارد ؟!...
قال لي شيخي الجليل : .... .....
لاتلبس لباسا دون قياس فعندما تنام العقول تضيع الحقول ؟!..
الله يجل عليهم الرحمة .

بقلم ر. شرقي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.