أعلان الهيدر

السبت، 2 ديسمبر 2023

الرئيسية قراءة و تحليل للرواية بعنوان: برج شهرزاد للقاصة الأستاذة : زكية علال

قراءة و تحليل للرواية بعنوان: برج شهرزاد للقاصة الأستاذة : زكية علال



الأديب و الناقد: إبراهيم ميزي.


التحليل الأدبي و الفني:
تيترولوجيا: 
 
 
بداية بالعنوان برج شهرزاد..
الشخصية شهرزاد بارزة و مشهورةٍ ذاتِ تأثيرٍ تاريخيٍ ودينيٍ كبير، عاشت في العصور القديمة، ومنها حقبة الخليفة العباسي هارون الرشيد، والشّاعر العباسي أبو نواس، ووزير هارون الرشيد جعفر البرمكي المُكنّى بأبي الفضل.
العنوان نكرة لرواية خفيفة ﺍﻟﻈﻞ، بالغة ﺍﻟﺘّﻜﺜﻴﻒ ﻭﺍﻹﻳﺠﺎﺯ، إيحائية الرمز، فنيّة التصوير، مجازية الدلالة ﻭﻣﺘﻌﺔ الحس وﺍﻟﻤﻔﺎﺭقة، بحروفها المنمقة و بليغة اللسان.. 

 
وظفت توظيفاً فنيّاً دقيقاً من النوع النظيف لا حشو، و لا إطناب، و لا مباشرة، ولا معاضلة في التعبير..إنما إلهام وإيحاء، إشارة وتلميح عميق الدلالة، و ذات حركة دؤوبة تجسدها حركة الأفعال الماضية، فيها فصل الخطاب وملكية لإبداع وقدرة التضلع وقُدْرَة التفوق.
استهلت القاصة الرواية بعتبة سيميوﻟﻮﺟﻴﺔ ، منمقة ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ ﻭﺣﻨﻜﺔ ، ﻟﻠﺘﺪﻟﻴﻞ ﺍﻟﻰ ﻏﺎئيتها ﻭﺟﻮﻫﺮﻳﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﺎﺋﺰﺓ؛ ﺗﺘﻮﺍﺷﺞ ﻣﻊ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ، مشبعة بالاستعارة اللفظية.. ساد فيها ﺍﻟﺘﻜﺜﻴﻒ ، ﺍﻟﻤﻔﺎﺭﻗﺔ، ﺍﻻﺩﻫﺎﺵ، ﺍﻻﻳﺤﺎﺀ ، وﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺍلصادمة، إنها لوحة أدبية تلتقط مشهدا من الحياة الإنسانية ، و بطريقة درامية صادمة؛ الأمر الذي جعلها جذابة ، يستلذها القارئ ، وتنفرد بدراساتها الأقلام .
أبعادها تجنح بنا إلى طرح انثروبولوجي، ديني، علمي، فلسفي و اخلاقي..أفكارها تلاحمت وتمازجت معبرة وهادفة.
حين اطلعت على هذه الرواية.. شعرت بموجة من التأويلات تكتنفني، و تغذي خيالي بإشراقات تبوح أشياء كثيرة، فأحسست بلغة الرمز تقرع إحساسي بقوة، ودلالات التضاد، فعل ورد فعل، تفاعل وانفعال، تقرير و اخبار ، رمزيات تخلف آثارها وملامحها .
الرواية برج شهرزاد لها لون و رائحة و طعم ..يفتح الشهية و يدعونا للاستعانة و استحضار مجموعة من العوامل سواء أكانت علمية، دينية ، انسانية، تاريخية، سياسية، اجتماعية، أم ميثولوجية، نظرا لما يحتويه فن النقد ابستمولوجيا من إيحاء و إثارة وترميز وتكثيف للمعاني، وقد أسهبت المدارس و أبدعت الدراسات في ميدان التفكيك النقدي، إلا أحصتها، بدءا من العنوان، الذي خصصت له علما خاصا جدا به أسمته علم العناوين أو التيترولوجيا.
العنوان هو الحضور المتحقق للكتب او لأي انجاز شعري او نثري، يعد ضرورة و منارة نهتدي بها، و بدونها تصبح أي صناعة أدبية او فكرية او فنية عقيمة و بلا هوية و لا قانون؛ و كلما كان العنوان معبرا و مؤثرا في فحواه و مضمونه و هادفا في أبعاده، كلما كان جذابا و سهلا للإقتران به و كسبه، نظرا للأهمية و الكينونة الذي يمتلكها.
و الشيئ بالشيئ يذكر، و على ضوء هذا العنوان النكرة " برج شهرزاد".. لفظان مبتدأ و خبر، يترجمان خاتِمَة، وعَاقِبَة لإسقاط حسن الديباجة، صافي الزجاجة، رقيق المزاج، حلو المساغ، نقي السمك، طنان السمع و رنان الذوق، حوى معنى خفيا، وكلاماً قريباً،و رمى غرضاً بعيداً؛ يقرب جناه، ويبعد مداه، ويؤنس مسمعه، ويؤنس مصنعه.
و عند بعض أهل علم اللغة..الكلام خبرٌ، واستخبار، وأمر، ونهي، ودُعاء، وطَلَب، وعَرْض، وتحْضيض، وتَمنّ، وتعجّبٌ.
في هذا المقام العنوان ايقونة أدبية آخاذة ساحرة، عون و بوصلة للناقد و المتلقي معاً، في فهم و إستكشاف و سبر أغوار السرد.
العتبة بصر و اشهار من سحر البلاغة و سر البراعة، لرسالة موجزة، مكثفة..مصيدة و مغناطيس يستسغيه المتلقي و القارئ.
الرواية رائقة استوقفتني طويلا، من حيث نسيجها السّردي، و تقنية الأسلوب.. في هذا السرد البديع ،نحسّ بروح التّشكيل الأدبي، و حساسية التّعبير الفنّي.
الرسالة إخبارية تقريرية، نصيخة و موعظة.. مكثفة الإيحاء، دقيقة الإنتقاء، موجزة النزعة السردية وباعثة الدلالة الرمزية، الإختزال، الإضْمار، القِصَر، الإيجاز، ، الإيحاء، الإيماض، و عميقة الدلالة.
الرواية تَمتاز بأسلوبها المُتناسق في السّرد والسياق ، تتّسم باستخدامها لمجموعةٍ من الأساليب في سرد الأحداث، وتَتَفاوت اعتماداً بِمتانةِ عباراتها، وحُسنِ تنسيقها، ودقة وصفها، بالإضافة لكثرة استخدام أسلوب السجع وقلة الفضول، كما تتسم باستخدام الألفاظ الرنانة، وتهويل أحداثها، و الوضوح و التشويق ؛
يجذب الأسلوب السردي الذي يطغى على كتاب شهرزاد القارئ، ويُعيده إلى تاريخِ وقوع الأحداث في الزّمن القديم، ويَكثر استخدام الصيغ عن الزمن الماضي، وعبارة و تستخدم بعض الصيغ كطريقة لإبعاد أسلوب بالنقل وتبعاته.
الرواية اتسمت بعناصر التكرار والتجسيد الدرامي وأسلوب التكرار في الأعمال الأدبية وسيلةً للتعبير وإيصال الفكرة المطلوبة من القصة، ويُعتبر هذا الأسلوب أداةَ ربطٍ بين أحداث الحكايات والقصة الواردة، ويتمُّ ربط الشخصيات الواردة بقوةٍ وتماسك، ويكثر استخدام الأساليب الموضوعية القائمة على تقسيم المفاهيم الموضوعية التي تُركز على القيم الأخلاقية حول الأحداث في القصص الإطارية، أما التجسيد فيهتمّ بتفصيل أبعاد الشخصيات الواردة في القصة، ويكون ذلك بالإيماءات والإشارة.
الروائية انتهجت أسلوب الجريمة و أدب الموت قصد اعطاء إثارةً للقصة، و تعقيد حبكة القصة.
كما لجأت الاستاذة بموضوعية و بنظرة ثاقبة للجانب الاجتماعي و الاقتصادي و تناولت معضلات الشباب كعدم اليقين بشأن المستقبل والمعيشة و كابوس البطالة المرعب بكل اشكاله و بالخصوص اصحاب الشهادات العليا، مما زاد الكأبة، القلق، التوتر و التيئيس.
الرواية منجم التراث الجزائري و مخزون ثقافي متنوع ومتوارث من قبل الأبناء والأجداد وهو روح الماضي وروح الحاضر وحتى روح المستقبل، ومن هنا جاءت أهمية الرواية والذي يعتبر أثمن ما وصل إلينا من كتب التراث الجزائري الحديث.
و ماقد خلب برج شهرزاد بروايتها الرائعة وحوادثها الآثرة والشخصية العجيبة،تسلب
العقل و اللب ، و زادها جمال الحكاية وروعتها التي تأثر بأحداثها الغرائبية الساحرة وأجوائها المدهشة.
إن التوظيف وتأصيل في الرواية يحمل عبق التراث الرائع وتعمق مدلولاته الفنية والتي تثير الخيال والعجب.
و لست منحازا اذا طففت في الميزان استفاءً ورُجحانا، ولا أعتقد أن ثمة من يناهض أو يعارض.
أرى الرواية تدفع المتأثرين ببرج شهرزاد إلى تجديد وتحديث الخطاب الروائي العربي وإدخال تقنيات متعددة لم تتوقف عند حد بدءاً من الشخصيات الإشكالية وفضاءات التخييل وأجواء السحر والنسق الزماني والمكاني.
الرواية مادة دسمة، صحيحة نابعة من رحم إيقاع داخلي صادق .
تعد اسهاما بارزا في إغناء الأدب الجزائري وإعطائه هوية مميزة وإيقاعاً خاصاً مختلفاً، في إنشاء رواية عربية تقف متميزة بشخصيتها ومضمونها وشكلها .
رواية برج شهرزاد منقبة دينية،و إنسانية ماتعة، استطاعت أن تشدَّ القارئ إلى عدَّة محطات، كالبطالة و العزوبة و ظاهرة العلاقات الغير شرعية باسم الحب و تساؤلات عدة حول حقائق حياتية اجتماعية بمهنية عالية لتجعل الرواية تنفتح على قضايا اجتماعية، اخلاقية و سياسية وقضايا غيبية، إيمانية صوفية.
الرواية كللت بنجاح أدبي باذخ ، يوقظ مرجعيات المتلقي و يأجج القارئ للتشبث بالتراث وبالارث الصحيح و العادات القويمة في اطار مسلك متشعب لتأسيس الرواية الجزائرية والانزياح بعيداً عن مسيرة الرواية الغربية واتجاهاتها الأدبية..بحيث تتمازج ضمن ثقافات الأمم والشعوب ، حيث تمتزج فيها الخرافة بالأسطورة والأحلام بالواقع، أثر كبير في مختلف الصناعات الأدبية، سواء أكانت شعراً أم قصة أم رواية أم مسرحاً. ولم يقتصر تأثير هذا العمل الكبير على الأدب الجزائري فحسب، بل يكون ذا تأثير شديد يحمل سحره فوق بساط الريح لخلق عوالم الأحلام والأسطورة لدى سائر الشعوب، في مختلف آداب الشعوب و الحضارات المعاصرة.
الثناء و العرفان للقاصة الأستاذة:زكية علال،حيث نبغت بامتياز ..حقا نسجت قصة بديعة شيقة ألفاظها أنوار، ومعانيها ثمار، محتواها يقود سامعيها إلى السجود، ويجري في القلوب كجري الماء في العود..
سيدتي الفاضلة الأستاذة: زكية علال.. دام الابداع و دمت مفتتة صلب الرواية و دمت للنثر علما في رأسه نار. 
 
 
 
الأديب و الناقد: إبراهيم ميزي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.