أعلان الهيدر

الخميس، 8 أبريل 2021

الرئيسية قراءة في رواية ( امرأة من رماد ) للروائية الجزائرية خولة محمد فاضل

قراءة في رواية ( امرأة من رماد ) للروائية الجزائرية خولة محمد فاضل


غريبي بوعلام



كم هو صعب أن تكون أنثى في مجتمع يقدس الذكورة إلى النخاع، و يلبسها ثوب القداسة و يعتبرها من أركان الدين التي لا ينبغي المساس بها، و الويل لكل من تسوّل له نفسه نقدها و لو بكلمات خفيفة، مصيره حينها سيكون السيف و المقصلة، الروائية طرحت هذا الموضوع في روايتها، حيث روت لنا تراجيديا ( مرجان ريحانة ) البطلة الرئيسية، عادت بنا إلى سنوات الجمر من تسعينيات القرن الماضي و ما حدث من تقتيل و عنف و ارهاب باسم الدين، وصفت ذلك الصراع الرهيب المحتدم في أعماق البطلة في مجتمع مكبل بعادات و تقاليد راسخة فيه كالجبال، ريحانة يتم اختطافها من طرف مجموعة ارهابية، و يغتصبها واحد من تلك الجماعة التكفيرية، ثم تتمكن من الفرار و العودة إلى البيت، كيف استقبلها والدها؟ الذي رفض عودتها لأنها فقدت شرفها، مع أنها ليست هي سبب مأساتها، كانت في حالة ضعف و قهر لم تتمكن من الدفاع نفسها و عِرضها، تم اغتصابها بقوة و عنف، ماذا عساها تفعل و هي مشلولة الارادة و السيف على رقبتها، رغم ذلك المجتمع يرفضها و يجعلها كالقمامة في مزبلة، عاقبها والدها أن حبسها في زريبة و تركها دون أكل، تصف لنا الروائية ذلك الجو المشحون بالبُغض و القتل و الدماء حتى خارج تلك الجماعات الارهابية، وصفت ارهاب المجتمع المعنوي ضد الأنثى خاصة و السبب الوحيد أنها أنثى.
تواصل الروائية سرد أحداث الرواية، بعد فرار ريحانة من مخالب الإرهاب الأعمى، محاولة تفكيك و تحليل عقليات هؤلاء الطواغيت الذين يعشقون سفك الدماء، محاولة الغوص في ذهنية مجتمع متصلب الفكر جمدته عادات و تقاليد متحجرة لا يقبلها لا دين و لا عقل و لا منطق، قلم حاول تعرية المستور و المسكوت عنه في مجتمعنا بكل جرأة و حرية، خاصة أن الرواية صاحبتها مبدعة تعيش في مجتمع من الصعب جدا على المرأة أن تطرح مثل تلك القضية بالتحليل و النقاش في قالب أدبي روائي، حاولت كسر الطابوهات، بتقمصها شخصية بطلة الرواية مرجان ريحانة، بكثير من صدق العاطفة و عمق الطرح مستعينة بأحداث حقيقية وقعت فعلا أثناء العشرية السوداء التي مرت على الجزائر.


الرواية موفقة في مجملها من ناحية المعنى و المبنى، رغم قصرها هي غنية في الطرح الفكري و البُعد العاطفي و الاجتماعي، السرد متماسك، الحبكة متينة، الأحداث متسلسلة و متطورة في تراجديتها المتصاعدة في تعقيدها، و تلك المأساة التي لا تريد أن تنتهي، أخذت شكل عِقد طويل من العُقد، تتشابك الأحداث كلما تقدم السرد، و ان كانت الأحداث تظهر كأنها تسير إلى الهدوء و حل العقدة، إلا و تفاجئنا الروائية بتطور الحدث ليتعقد من جديد و ربما يتعقد أكثر من الحدث الذي سبق، بهذه الطريقة السردية تمكنت من التأثير على القارئ و لفت انتباهه لعملها الأدبي، و مواصلة القراءة بنهم منتظرا ما سيحدث و كيف ستكون النهاية، خاصة أن موضوع الرواية مشحون جدا بالدمع و الدم و الأسى الذي يمزق القلب، و لا مانع من ابداء بعض الملاحظات، مع العلم هذا العمل هو الإبداع الثاني للروائية، فهي في بداية مشوارها الروائي.
لم نجد في الرواية وصف مكان تلك الجماعة الإرهابية، و لا وصف لبعض شخوص هؤلاء الإرهابيين، الوصف كان ضروري في نظري بتخيله و كأن القارئ يراه أمامه، هذا سيزيد من تعميق الحدث و تأثر القارئ به و تفاعله معه و كأنه في قلب الحدث و المكان، كذلك الجو المكفهر بالسواد الذي وقعت فيه عملية الاغتصاب لم تعطه حقه، مرت عليها و كأن الروائية كانت تلهث خلف سرد الأحداث، كأنها خائفة أن تهرب من مخيلتها، أو كانت ربما تتحين لحظة الالهام الأدبي لتكتب فصل أو مقطع من الرواية يكون مُرَكز، و يحتوى على قدر معين من الفكرة التي تريد التعبير عنها، و تجعل فيه شحنة عاطفية، لكنها لم تكن قوية بما يكفي ليتدفق إبداعها، كان من الأحسن أن تصف لنا حالة والد البطلة بعد اختطاف ابنته، بعد ذهابها في الصباح إلى الثانوية و لم تعد في المساء، من الأحسن لو جعلت فصلا في روايتها تصف فيه حالة الأب و الأم بعد غياب ابنتهما، خاصة في تلك الظروف الصعبة جدا و في قرية نائية، و دوام الغياب لبضعة أيام، وصفت حالة البطلة جيدا بعد عملية الاغتصاب، و كيف سلمت نفسها لقوات الأمن بعد فرارها، لو جعلت فصلا أخر في الرواية تصف فيه حالة والديها موازيا أثناء السرد، بحيث يلتقيان عند نقطة معينة فيحدث التقاطع بينهما نوع من التفجير المعنوي أو الصدام العاطفي، لكن لم نجد هذا في الرواية، لهذا نلمس بتلك الثغرة الصغيرة، لكنها لم تؤثر كثيرا على تسلسل الأحداث و السرد الروائي.
كما لم تمنح للسرد حقه وهي تقص قصة حب البطلة وهي في الجامعة، مرت على الأحداث مرورا خاطفا، وكان يجب عليها الوقوف عند بعض تفاصيلها لخدمة أفكار الرواية، منها ضرورة تعليم الأنثى ورفع عنها حجاب الجهل، لمواجهة تلك الظلامية المفروضة عليها من أهل التطرف وبعض فئات المجتمع، قصة حب كانت كالوردة اليانعة وسط ركام من الخراب و الدمار، كانت تنتظر منها البطله حبل النجاة و الانقاذ، لكن يتم قتل الحبيب في كمين، و يعود رجل أخر صاحب أموال، يدّعي حب البطلة و يعرض عليها الزواج، لكنها ترفضه بعد اعترافها له بقصة اغتصابها.
في الرواية لوحات أدبية شعرية مؤثرة جدا أدرجتها الكاتبة في ثنايا السرد، جعلتها على شكل خواطر نفسية بليغة جدا، مفعمة بالعاطفة النابضة والشاعرية الرقيقة، عمّقت المعنى، زخرفت المبنى، لها علاقة وطيدة بموضوع الرواية وفكرته الأساسية، لم تكثر منها، بل جعلتها كالفلاشات أو ومضات شعرية، كي لا تخرج من إطار السرد الروائي وجنسه الذي يعتمد على القص والحكي، من جانب أخر يدل على تمكن الروائية من لغتها الأدبية وممارستها للكتابة الشعرية قبل دخولها عالم الرواية الفسيح.
كما طرحت الثلاثية المعروفة في عالم الرواية ( الجنس- الدين – السياسة ) موضوع الجنس يتمثل في ذلك الاغتصاب باسم الدين و هو منه براء، ذلك الفعل يلخص نظرة هؤلاء للأنثى، و كيف سيكون مصير المرأة لو وصلوا إلى كرسي السلطة، على القارئ تخيل النتائج التي لمحت لها الروائية و جعلتها كرسائل يجب فتحها و تأملها، من الناحية الاجتماعية أشارت الكاتبة إلى ضرورة اعادة النظر في قضية شرف الأنثى الذي يحصره المجتمع المكبل بأعراف و تقاليد جامدة، في غشاء الذي لو ضاع أو تمزق لظرف قاهر أو لسبب بعيد عن العلاقة الجنسية، سيكون مصير تلك الفتاة القتل المحتم بعد الليلة الأولى من الزفاف، ثم ماذا عن الفتاة التي تولد بلا غشاء بكارة؟ ما مصيرها في مجتمع عشّش فيه جهل مغلّف بالقداسة الدينية؟ تلك أسئلة أثارتها الروائية بإيحاءات جميلة دون الوقوع في تلك المباشرة المذمومة.
موضوع الدين أو التديّن تمثل في نظرة تلك العصابات الدموية، التي تريد فرض الدين وشرائعه بحد السيف، وكل من لا يقبل ذلك مصيره الكفن، والنتيجة كانت جبل من الجماجم، وديان من الدماء، وأطنان من المتفجرات، فأين تلك الرحمات التي وعد بها الله ورسوله عباده في كتابه المنزّل؟ منذ متى تُحمل الرحمة على حد السيف أو تحشوا بها بيت النار لغرسها في صدور البراءة؟
الجانب السياسي في الرواية يتمثل في رغبة تلك الجماعات الإرهابية في الوصل إلى كرسي الحكم باسم الدين، لا تهم الوسيلة بقدر ما يهمهم الهدف، الوصول إلى السلطة على بحر من الدماء، وكان رد فعل السلطة حينها محاربة تلك الجماعات التكفيرية والدخول في حرب أهلية أحرقت الأخضر واليابس، ولم تنس الكاتبة في الاشارة إلى تورط بعض أجنحة السلطة في بعض مجازر قُتِل فيها أبرياء ونسبتها لتلك الجماعات الارهابية.
في الأخير أقترح على الروائية كتابة رواية أخرى في هذا الموضوع، لأننا فعلا نشعر أن جعبتها مملوءة بالكثير من تلك الأحداث الدامية التي عاشتها عن قرب، وتريد أن تفرغها على الورق بأسلوبها الأدبي الجذاب.



غريبي بوعلام / الجزائر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.