أعلان الهيدر

الاثنين، 2 مارس 2020

الرئيسية قراءة في قصة قصيرة جدا ( نصرة ) للقاصة لين هاجر الأشعل من تونس

قراءة في قصة قصيرة جدا ( نصرة ) للقاصة لين هاجر الأشعل من تونس

غريبي بوعلام


نصرة


التجأت إلى حضن أمها باكية، مستغيثة...
- منعني أخي من اللعب خارجا ناعتا إيايا بأنثى.
أسعفتها بصفعة:
-أصمتي...ساعديني على كيّ ثيابه.




القصة، قصة قصيرة جدا من ثلاثية تطرح موضوع الصراع المحتدم بين الذكر و الأنثى، بين الرجل و المرأة بصفة عامة، و تتلخص في السيطرة الذكورية المطلقة على الأنثى، و النظرة الدونية للإناث من خلال عادات و تقاليد لا يقبلها لا عقل و لا منطق، و تارة أخرى مغلفة بغلاف الدين و الدين منها براء.


المعنى واضح كل الوضوح، ليس في حاجة إلى تأويل، قوة النص تكمن في الطريقة الجميلة التي عرضت بها القاصة فكرتها الرئيسية، صاغتها بأسلوب مبسط في أقل كلمات ممكنة، مختارة بعناية و دقة، توصل لنا الرسالة و عمق المعنى دون اللف و الدوران الكثير الذي لا جدوى منه، ما يلفت انتباه القارئ هو تلك السرعة الخاطفة في عرض الموضوع و الالمام بمعظم جوانبه و خطوطه العريضة، بحيث توحي له عِظم المشكلة و هول المعناة التي تنخر الأنثى في مجتمعنا إلى النخاع، ذلك العَرض الخاطف للقصة لفت انتباه القارئ، صدم شعوره، اثار فيه تلك العاطفة المؤلمة، أشعره تلك الدهشة التي تغلغلت إلى العمق خاصة عندما يدرك أن البطلة هي طفلة صغيرة السن، أوحى بذلك ذهابها إلى حضن أمها و هي تذرف الدمع، مثل هذا السلوك لا يصدر من فتاة كبيرة السن، كذلك في استعمال كلمة ( اللعب ) مما يدل أنها صبية لم تبلغ بعد، لكن مع ذلك طردها أخاه و أعابها بالأنثى أو بأنوثتها، و كأن من العيب أن تكون أنثى في مجتمع كمجتمعنا، و كأنهم يلومون الله بطريقة غير مباشرة أن خلق الأنثى، أو لماذا جعل أنثى في عائلتهم، و قد نسي ذلك الفتى أن التي وضعته هى أنثى بعد أن عشش شهورا في جوفها، و نلمس من سياق القصة ذلك الكره الخفي في الأعماق لجنس الأنثى أو ما يسمى بالفرنسية ( la misogynie ) و المدهش أو ما يصدم القارئ في القصة، تلك الفتاة الصغيرة التي صفعتها والدتها عندما اشتكت لها من سلوك أخيها المشين، و أمرتها أن تساعدها في كيّ ملابس أخيها الذي عابها و طردها، سلوك فيه إيحاء قوي جدا عن السيطرة المطلقة للذكر في ذلك البيت أو ذلك المجتمع، زد على ذلك لا توجد اشارة في القصة للأب أو الوالد أو زوج الوالدة، مما يوحي بالسيطرة المطلقة للابن في البيت على البنت أو البنات و حتى الأم التي لم تناقش ابنها الذي عنفّ أخته الصغيرة التي لم تبلغ الحُلم.



في القصة رسالة قوية عن الأوضاع المزرية التي تنهش المرأة إلى أعماقها، و رسالة أخرى إلى عدم قَبول هذه الأوضاع، و وجوب تغييرها بطريقة سلمية دون اللجوء إلى العنف، و ذلك لا يكون إلا بغير الذهنيات و الأفكار البالية التي ترى في الأنثى نصف إنسان أو أقل من ذلك، و القاصة كانت جريئة جدا في خوض هذه المعركة السلمية بقلمها الحاد و حبرها الذي يريد أن يلوّن المرأة الجديدة التي رسمها خيالها الخصب.

القصة مكثفة تكثيفا رائعا جدا، لا يمكن حذف كلمة واحدة منها و لو حدث ذلك سيختل المعنى، و هذا يدل على مدى حرص الكاتبة على نوعية و جودة سردها، لتحقيق الأدبية المرجوة من قصتها لتصل بسهول إلى أعماق القارئ، المفارقة كانت قوية، يظهر ذلك من خلال الفكرة و طريقة عرضها و التي عادت بالإيجاب على الدهشة في الأخير، لأن القارئ لم يكن ينتظرها، و بمجرد أن قرأها وصلت دهشته إلى الصدمة و كأن مشاعره كانت نائمة و أتى من هزها بعنف، و اشتملت القصة على إيحاءات كثيرة أشرت لبعضها في بداية القراءة، اثارت عواطف القارئ، و العنوان ساهم كثيرا في لَم شتات المعنى، اذ يخيل للقارئ في البداية أن النصرة ستكون لتلك الفتاة المظلومة، لكنه سيصدم عندما يدرك أن النصرة كانت لذلك الظالم و هذا ما زاد من عنصر الدهشة في أخر النص.

----------

غريبي بوعلام / الجزائر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.