أعلان الهيدر

السبت، 8 فبراير 2020

الرئيسية غرام الثقلين في رواية ( مشكاة التحدي) للأديبة سعاد الزامك بين الواقع والأسطورة (1)

غرام الثقلين في رواية ( مشكاة التحدي) للأديبة سعاد الزامك بين الواقع والأسطورة (1)

كتبه : هشام المنياوي


تجاوزت رواية ( مشكاة التحدي ) للأديبة والروائية سعاد الزامك حدود الإجابة عن السؤال الذي سكن مقدمة الرواية ( هل هناك تأثير ملموس للجن في حياتنا؟ ) إلى مدى أرحب لتساؤل أكثر تشويقا : هل تحمل دعاء – بطلة الرواية – سمات مشتركة بين الإنس والجن ؟؛ كونها ثمرة علاقة حميمية شارك فيها جنيّ الزوجَ عند مضاجعة زوجته ؟!!
تقول الزامك :
" عشق ( أوريون ) لها جعله لا يكتفي بذلك اللقاء ، فداوم على التلصص عليها لانتهاز كل لقاء حميم بينها وبين زوجها ليشاركه وطأها !!!... ثم صاح لها بأن ابنتهما نتاج جماع مشترك بينه وبين زوجها ... وأنها ستجمع بين صفتي البشر والجان ."
هكذا ارتكزت " مشكاة التحدي " في بنائها على حدث رئيس يطرق موضوعا اجتماعيا بالغ الصعوبة، ذا أثر ملموس في حياتنا ، رغم إنكار البعض له ، فغدت الرواية أقرب إلى التراجيديا الاجتماعية ، وإن عدها البعض مزيجا من التراجيديا والأسطورة ، هؤلاء الذين لايؤمنون بهذا الأثر النافذ لعالم الجن في حياة البشر . وأيا كان توصيف الرواية ، فإنها سوف تضرب مع قارئها موعدا كالورد اليومي حتى إذا انتهى منها ضرب لنفسه موعدا جديدا ليعاود قراءتها مرة بعد مرة ؛ وذلك لتنامي عنصرا الجذب والتشويق في العمل .
قبل أن نصعد في درج الرواية نطأ بأقدامنا عتبة العنوان ( مشكاة التحدي ) الذي أجمل وصف الرواية وأغرى بالتفاصيل التي تفكك ذا الإجمال ، استخدمت الزامك المشكاة – وهي لغة : الكوة في الجدار يوضع عليها المصباح الذي يضيء – استخداما أقرب إلى بناء نوري مشع ، تقول الزامك :
" تتوسط البستان مشكاة ضخمة من النحاس يظللها قبة بلورية " و قالت أيضا : " وعن المشكاة التي خبأ ضوؤها وتكمن بمكان ناء ... "
تلك الطاقة النورانية أضاءت لبطلة الرواية ( دعاء )ظلام ظلم مجتمعي وسمته بالذكوري وقادتها لتحدى هذا الظلم المتمثل في ( المرض – قسوة الزوج – الموروثات الاجتماعية البالية ) والانتصار عليه فجبرت ضعفها البشري بسطوة شقها الجني المنتمي إلى بطش وعنفوان الملك ، (دعاء) تحدت كل هؤلاء ، و تحدت لعنتها السفلية فكان العنوان ( مشكاة التحدي )
إذا تجاوزنا عتبة العنوان إلى صورة الغلاف الذي تحالف مع العنوان في تقديم رسالة سيمولوجية تعبر عن كنه الرواية فكان الغلاف يحمل صورة فتاة ذات قسمات وجه تجمع البراءة والوداعة والحزن وهي متلبسة بهيئة جني يحتويها بدلالة قرن باد ، وضخامة يدين تمسكان بالفتاة التي بدت مستسلمة لهذا الاحتواء ، وكان اللونان : الأبيض للفتاة والأسود للجني دلالة على اجتماع النقيضين دون تماه ، وبرهان على سيمائية تلك الصورة المرفقة على الغلاف بقيت الإشارة إلى براعة الكاتبة في انتقاء أسماء شخوصها باتساق مع جنس مسمياتها ، ففي عالم الإنس حضرت ( دعاء – عصام – حسين ) وفي عالم الجن هناك ( أوريون – ماحس ) وهذا الاتساق من أقوى عوامل الإقناع في الرواية التي تهدف الأثر في القارئ .
عبقرية الزمان والمكان :
ثمة فرق بين " زمن القصة " ، و "زمن القص" فزمن القص اتخذ من ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 منطلقا للسرد ، فأوردت الكاتبة أحداث الثورة دون تدخل منها بإبداء رأي أو تقرير موقف ما حيالها ، ولكنها اتخذتها معادلا موضوعيا لحياة البطلة ، حين قررت أن تقوم بثورة مماثلة على معاناتها مع زوجها فثارت عليه وأعلنت العصيان مطالبة بحرية تماثل تلك التي ينشدها الثوار في الميدان
تقول الزامك :
"طالبته باصطحابها لميدان التحرير لاحتفال وشيك .. ثم نزعت فتيل الثورة الكامنة بداخلها منذ أعوام ، واجهته أخيرا بغضبها لأسلوبه الفظ معها ، وتحطيم معنوياتها بكلمات ساخرة لاذعة ... صارعت جبروت ذكورته باللجوء للقضاء لرفع قضية خلع . "
أما زمن القصة فقد تشعب قبل وبعد هذا التاريخ حيث تفاوتت أحداث السرد بين استرجاع كثير واستباق قليل ، لأن الراوي لا يستطيع سرد الوقائع دفعة واحدة ، وقد لجأت الزامك إلى البعد عن الزمن الاستباقي للأحداث ، فأبقت عنصر التشويق لدى القارئ متوهجا لا يخبو
أما البيئة السردية المكانية : فهي ليست المكان الجغرافي المحدد الصامت بل البيئة السردية ذات الأثر الكبير في تشكيل مشاعر الشخوص وتصدير الإقناع والاتساق للقارئ ، وهذا ما قامت به الزامك فعمدت إلى تقديم البيئة السردية بشكل يغلفه غموض مقصود في البيئة الخاصة بالجانب البشري ؛ ربما لدحض أية شبهة لاسقاط أو تماس بالواقع فجاءت البيئة السردية متسمة بالعموم غير محددة المعالم بشكل كبير
تقول الزامك حكيا عن دعاء بعدما غادرت منزل زوجها فؤاد مطرودة :
" قادتها قدماها إلى قمة تل صخري يُشرف على البحر ، صخوره الحادة تركع إلى الشاطئ باسطة ظلالها الوارفة كشبكة عنقودية للوهم ، و تتطلع إلى أمواجه الهادرةفي خشوع على الصخور وكأنما تفر من مصيرها كما تفر دعاء من مآسيها "
بتلك اللغة الشعرية المرهفة رصدت المكان وصاغت اتساقا وجدانيا بينها وبين الطبيعة فرأت الموج يفر من صخور بحر فرارها من مآسيها
وهذا أوريون ( خرج للتنزه في بساتين الأرض !! )
على حين غلف الغموض البيئة المكانية في الجانب البشري من الرواية ،فإن الوضوح سمة الوصف في البيئة المكانية لعالم الجن ، فتدهشك الزامك بوصف مبهر حتى لكأنك جزء من هذا العالم الأسطوري الخيالي تقول الزامك في وصف قصر أوريون :
" شيدوا له قصرا شامخ البنيان يليق بمكانته تحفه الأعمدة المرمرية ، و يتلألأ بريق فضي من جوانب أسطحه المشيدة من العاج المصقول فتنعكس الأضواء من أبوابه المُمردة الضخمة ذات المصاريع الكبيرة "
وفي قصر أوريون صولجان الملك كأنها عصا ساحر .
" لوّح أوريون بصولجانه الذهبي ثلاثا في الهواء فانبعثت منه أشعة تماوجت عبر الأثير ، ثم طارت بما لذ وطاب من لحوم وطعام ومشتهيات )
بتلك اللغة التصويرية المعبرة رصدت الزامك حفل تتويج دعاء بطلة الرواية ولية للعهد في عالم أبيها أوريون :
" تراقصت النجوم طربا فوقهم ، فرسم بريقها صورا بديعة "
لقد صدقنا من سحر الوصف وأسطورية البيئة المكانية أن نجوم تلك الليلة رقصت على الحقيقة احتفاء بالملكة الجميلة .

.... يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.