أعلان الهيدر

الثلاثاء، 21 يناير 2020

الرئيسية قراءة في ومضة قصصية للقاصة فاطمة مدلل من سوريا.

قراءة في ومضة قصصية للقاصة فاطمة مدلل من سوريا.

غريبي بوعلام



غدر


احترقت لأجله؛ عاب رمادها.

----------

أخلص قلبها الناصع البياض لذلك الرجل، سقته من وريدها الدافئ إلى أن أتخمته عاطفتها المتدفقة عليه كالسيل الناعم من نبع أريج الياسمين الأبيض، وصل عطاؤها إلى اشتعال صدرها من أجله و الاحتراق له كالشمعة المشتعلة و هي تذوب، إلا أن قلبه كان كالحجر أو أشد قسوة بعد أن تدحرج عليها بثقل قسوته على بقايا رمادها الأسود، و تنسفها رياحه العاتية إلى أن صارت بصفرة الموت أشبه، و إلى العدم أقرب.

تفنّنت القاصة في حسن استعمال أدواتها الإبداعية و هي ترسم لنا هذه التحفة الفنية، التي نتمنى أن تدخل في زمرة الأدب القصصي الوامض عن جدارة و استحقاق، تمكنت من اختزال و تكثيف قصة طويلة و ربما كان يمكن أن تكون رواية، ذلك بحسن استعمالها لتقنية التكثيف الشديد، و استعمال كلمات قليلة جدا و مختارة بعناية فائقة، و وضعها في مكانها المناسب بحيث تركب و تصور لنا عمق المعنى الذي أرادت أن توصله للقارئ بكثير من الأدبية الراقية، دون الاخلال بالفكرة الرئيسية للقصة، كما أرفقت ذلك التكثيف الرائع بإيحاءات غاية في جمال التصوير الذي يثير عاطفة القارئ و يلهب خياله، و تجذب وجدانه و تترك في أعماقه تلك الدهشة الرائعة من روعة البيان الراقي، وباستعمالها لصور بيانية كالاستعارة و الترميز الجميل الذي يحمل في ظاهره معنى و في باطنه جواهر أخفتها القاصة ببراعة أسلوبها الأدبي المنمق الجذاب، لتجعل القارئ يسأل نفسه عنها و يقلّبها عنها.

المفارقة كانت قوية،لم تكن لفظية بل معنوية، خدمت كثيرا الومضة و ذلك باستعمال التضاد بين الشطر الأول و الثاني، فتصادم المعنيين ليفجر تلك الشرارة الومضة كالبرق، و تنير العقدة التي بُنيت عليها القصة، و من قوة المفارقة كانت النهاية غير منتظرة من جهة القارئ، لهذا أدهشته و تركت في جوفه ذلك الأثر الرقيق و الشعور الجميل بجمال المعنى و حسن تركبيه و صياغته، كان من المفروض أن يكون جزاء الاحتراق للغير هو الشكر و الامتنان و الرد بالمثل أو أحسن منه، لكن القاصة صدمتنا بالعكس الذي لم يكن منتظرا من طرف القارئ، لهذا صدمته النهاية التي صاغتها بحنكة أدبية بارعة في التصوير الفني، أم العنوان في رأيي جاء كاشفا نوعا ما لعمق معنى الومضة، كان بإمكان القاصة أن تختار كلمة، تلمّح و تشير فقط لمعنى الغدر كمثال على ذلك ( خندق ) أو ( هاوية ) هذه الكلمات توحي بكل ذلك العذاب الذي عانته بطلة القصة، و القارئ يؤوّل و يفسر على قدر ادراكه لعمق المعنى.

القصة تحمل في طياتها رسالة لتمزيق الأكفان التي تلف الأنثى و قلبها ينبض، فهل من قلوب واعية و أذان سامعة للتجديد و التغيير؟

----------

غريبي بوعلام / الجزائر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.