أعلان الهيدر

الثلاثاء، 27 نوفمبر 2018

الرئيسية زهرة أمل لم يكتمل يَنْعِها

زهرة أمل لم يكتمل يَنْعِها


سعاد الزامك

انزل يا محمود .. انزل يا حبيبي 
خرجت نساء الحي ينظرن من النوافذ و البلكونات غير مصدقين ما يسمعون و يرون ، عباءتها التي تبدد سوادها بغيمات من تراب ، طرحتها الممزقة تتطاير أشلاؤها هنا و هناك ، تخطو الهوينى بفردة حذاء واحدة و القدم الأخرى تتقاطر منها الدماء ، تصك صدرها بيديها و كأنها تحاول انتزاع قلبها المفجوع .
هرع الجميع إليها تدثر مُحياهم ستر الحزن التي سيلت الدموع ، حاولوا تهدئة روع الأم المكلومة دون جدوى ، ربتت بعضهن بأيادي حانية على كتفيها المتهدلين و ظهرها الذي حناه الرحيل ، مسحت أخريات أدمعها بنظراتهن المشفقة . تعالت تمتمات هادرة تنعي الصبي ، تتوالى على الذاكرة مشاهد وصول النبأ المفجع إليها .

ذلك التلميذ أسفل نافذتها الصغيرة ينادي بصوت علاه الخوف و الارتباك ، ظل يردد .. يا محمود .. يا محمود . طلت الأم متسائلة عن مطلبه ، أخبرها بسقوط ابنها و عدم جدوى أي محاولة لإفاقته . لم تنتظر انتهاء حديثه ، هرعت إلى المدرسة بعد أن سترت جسدها بنفس العباءة السوداء و طرحت على رأسها غطاءً لا يتناسب مع عباءتها غير عابئة برُقي ذوقها و أناقتها كما عُهِدَ بها .
وصلت دون أن تعي كيف قطعت تلك المسافة الطويلة ، ولجت من الباب إلى بهو المدرسة حيث أرشدوها عن مكان ابنها ، تجمهر العديد من الأطفال متراصين في حلقات الدهشة ، تصلد الصبي على الأرض ، البعض يحاول افاقته و حثه على الرد و لو بحرف واحد . دلفت الأم إلى منتصف الدوائر المستعرة حزناً على زميلهم المُسجى على الأرض . حملقت في وجه طفلها ربما تعي ما يحدث ، وجهٌ شاحبٌ ، شفتان خُضبا بالزرقة الداكنة ، عينان جاحظتان ذات مُقل شاخصةً إلى السماء . ضمته إلى صدرها بيدين زلزلهما الفزع ، طبعت على ملامحه قبلات عبقها الرجاء و كأنها تريد انتزاع أنفاسها لتغرسها في رئتيه الساكنتين . أسئلة هادرة على ملامحها .. أحقا مات صغيري ذو العشر سنوات ؟ لِم اختطفه الردى دون الآخرين ؟ كم لحظة سأحياها بدونه تتخطفني فيها أشجاني و كبدي ؟ أين الملاذ لأختبئ من عواصف الحرمان ؟
انتهت الإجراءات و لم تتعد الساعة ، عادوا بالصغير متشحاً بستر الرحيل ، ذهبوا في رحلة وداع صامت تعلو الوجوه سحابات اللوعة و الأسى .
في كل يوم و في نفس الموعد تخرج الأم باحثة عن ابن قلبها ، و تعود أدراجها بعد أن تفني يومها في البحث بلا جدوى .. نائحة ً.... يا محمود .. يا فرحة عمري الضائعة .. آه يا زهرة أمل لم أفرح بينعها .

#سعادالزامك
من مجموعة #وشم_القدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.