أعلان الهيدر

الاثنين، 16 أبريل 2018

الرئيسية قراءة الكاتب والناقد السوري: حمدي معمار لقصتي القصيرة جدا: مَرَاسِمُ الصَّمْتِ

قراءة الكاتب والناقد السوري: حمدي معمار لقصتي القصيرة جدا: مَرَاسِمُ الصَّمْتِ


عبد الحكيم قويدر


القاص / عبد الحكيم قويدر
مَرَاسِمُ الصَّمْتِ
خَدَّرونِي.. نَشَرُونِي بِينَ أَجْثاثٍ فِي أَعلَى الْبُرجِ، تَخَمَتْ مِنّا الجَوارِح.
وَقْتَ تَنزِيلِ هَياكِلِنَا العَظْمِيَّةِ لِلْحَرقِ..
صَرخَ رَأسِي المُعَلَّقِ في مِنْقارِ نَسْرٍ:
لا تُخْرِجونِي مِن المِلَّةِ.

ملاحظة:
البرج: من أبراج الصمت وطقوس التخلص من جثث الأموات في الديانة
الزرادشتية.




السلام عليكم أصدقائي .. وتحيتي للقاص المبدع أ. عبد الحكيم قويدر

توطئة:

مفهوم الموت لدى الشعوب .مهما تنوعت مفاهيم الموت ففي النهاية يبقي المعنى واحد
(( أنهُ نهاية كل حي في هذا الوجود يكون مظهره خمود الشعور وتلاشي الإدراك )).
ولكن مابعد الموت هو السؤال الذي تنوعت النظرة إليه بين الشعوب قديماً وحاضراً لأن باطن الموت اِرتبط بمعتقدات فكرية لا تستند على دليل ملموس يبين حقيقة الموت وحال الجسد بعد مفارقة الروح والانفصال عن الدنيا , فتبني كل شعب فكرتة الخاصة التي من خلالها يتم التعامل مع جسد الميت بطقوس تعبر عن هذه الفكرة , وبما أن الموت من عالم الغيبيات بدليل قولة تعالي ** وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } (85) سورة الإسراء
كانت الأساطير هي السمة الغالبة علي المعتقدات الأرضية دون السماوية , فحين نتتبع الحضارة الفرعونية وشعوب المايا وثقافة اليونانية والرومانية وكذلك الفارسية والفينيقية وغيرهم نجد أن الموت لهُ سمة خاصة تتصف غالباً بالأوهية مما أكسبها صفة الثبات عبر الأجيال .
في المقابل فأن الأديان السماوية ذات شرائع ربانية لا تدخلها أهواء وفلسفات شبة عقلانية , فإن الروح مردها إلى الله وحده سبحانه , وما عليهم سوى احترام الجسد و إكرامه .
الموتى عند الزرادشتية
كمدخل بسيط (( الديانة الزرادشتية من أقدم الديانات على وجه الأرض، وتعد الديانة الأولى التي قامت على أساس التوحيد،والدلالات واضحة حول هذه الديانة التي ظهرت في 444 قبل الميلاد، وقد تدينت الأقوام التي كانت في المناطق المجاورة لظهور الزردشتية جميعها، منها الفرس والكرد والهنود، وغيرها من الأقوام في تلك الحقبة ))
يقول الزرادشتيون إن تاريخ العالم هو تاريخ الصراع بين (خالق الخير) وبين الشيطان (أصل الشر)؛ وفي بداية الخلق اخترق الشيطان استحكامات السماء، وهاجم الإنسان الأول، والحيوان الأول، وأصابهما بالمرض والموت، فالشيطان لا يقدر إلا على التدمير؛ ولذلك فإن الموت من عمل الشيطان، ومن أجل ذلك يعتقد الزرادشتيون أن الجنة مستقر الشياطين، وكلما كان الميت صالحاً ازدادت قوى العمل الشيطاني، ولما كان إحراق الجثة أو دفنها يدنس العناصر المادية، فلا بد أن تعرض الجثث فوق “أبراج الصمت”
لتلتهمها الطيور الجارحة؛ ولذلك يبني الزرادشتيون مقابرهم على ترتيب موافق لاعتقادهم، فيضعون أجسام الموتى على سطح برج عال مستدير، وهذا السطح مبلط، وفي وسطه بئر عميقة. وعندما يموت أحدهم، يضعون جثته عريانة مكشوفة للشمس على الألواح الحجرية المكونة من ثلاثة صفوف , الصف الخارجي منها للرجال، والمتوسط للنساء، والداخلي للأطفال. وتبقى الجثث تحت حرارة الشمس، ومياه الأمطار إلى أن تأكلها الجوارح من الطير، ولا يبقى إلا العظام، فيطرحونها حينئذ في تلك البئر، وفي عقائدهم أن نور الشمس وحرارتها يطهران هذه الأجسام من دنس الخطيئة، فتدخل النعيم مطهرة مقدسة.

النص:

مَرَاسِمُ الصَّمْتِ

خَدَّرونِي.. نَشَرُونِي بِينَ أَجْثاثٍ فِي أَعلَى الْبُرجِ، تَخَمَتْ مِنّا الجَوارِح.
وَقْتَ تَنزِيلِ هَياكِلِنَا العَظْمِيَّةِ لِلْحَرقِ..
صَرخَ رَأسِي المُعَلَّقِ في مِنْقارِ نَسْرٍ:
لا تُخْرِجونِي مِن المِلَّةِ.

ملاحظة:
البرج: من أبراج الصمت وطقوس التخلص من جثث الأموات في الديانة
الزرادشتية.
.............
القراءة:
بداية من العنونة المركبة، الموحية والمعبرة عن طقوس الموت في الديانة الزرادشتية كما ترك لنا القاص ملاحظة أسفل النص!
العنونة ككل وضّحت مفهوم هذا الطقس بشكل أو بآخر وأضمرت شيئاً آخر لو تتبعنا سيميائية(دلالة) المفردات والألفاظ اللغة لأدركنا ذلك!
من أهمها والّتي جاءت استهلالاً للنص من خلال الفعل(خدّروني) كدلالة عنه، فهو يعني التغييب عن الوعي الإدراكي لشخصية بطل النص دون سبب ما أضمره القاص وفي هذا ترابط عميق لأحد وجهي العنونة(مراسم الصمت).. لا يمكننا التكهن هنا بسبب ما فعلوا به حتماً ولكن أيضاً لو تأملنا قليلاً بالترابط مع القفلة(لا تخرجوني من الملة)لوجدنا الكثير من التأويلات المختلفة في هذا الترابط ووجهات نظر مختلفة، وكذلك أيضاً كما ورد في المتن( وَقْتَ تَنزِيلِ هَياكِلِنَا العَظْمِيَّةِ لِلْحَرقِ) والذي يدل على القضاء لمجموعة ما أو جماعة قد تطرفت عن أسس الديانة أو معتقداتها الدينية، وفي هذا أيضاً ترابطٌ بين هذه الديانة والديانة الإسلامية كما ورد في الأحاديث وبعض الروايات، عن أن المرتد عن الدين أوالمشرك بالله فدمه وماله يُحلُّ!!
ومن شعائر هذه الديانة(الزرادشتية) في طقوس الموت
أنه لا يدفن المرء بعد تأدية الطقوس لايدفن تحت الأرض كي لا يلوث التراب والماء، وهنا أجاد القاص في عملية حرق الجثث لتلك الجماعة لتطهيرها من الذنب بينما أتت القفلة كمفارقة يستنكر البطل ارتداده أو كفره بالعقيدة الّتي ينتمي إليها، رافضاً حرقه جثمانه بالنار !!

النقد والنص:
من وجهة نظري ورؤيتي اعتمد القاص على التناص الديني ويمكنني القول أشبه بالأسطورة أو الفلسفة الدينية نوعاً ما، وأجاد أيما أجادة وبإتقان!!
أما من حيث البنية اللغوية والفنية للنص فقد كانت متوازنة كلياً لغةً وثيمةً وإيحاء وإضمار في كلا محوري النص (عنوانه وقفلته) وقد برع القاص في إضفاء لمسته الأديبة من خلال إثارة ذهن المتلقي بشكل محيّر ولم يغفل أي من أسس أو عناصر القص!
أما الرسالة الّتي حملها إن أردت أن أسقطها على واقع العصر أو ما جرى في وقائع مختلفة كظهور الداعشية وسواهم والطغيان الأمريكي على حدّ سواء تحت مسميات مختلفة وظلال الحكم الاستبدادي بحجج ودعاوى دينية بعضها وأخرى إنسانية!
إلى هنا أكون قد قدمت رؤيتي للنص وأتوجه بجزيل التقدير والإحترام للقاص المبدع والمتألق أ. عبد الحكيم قويدر .. لإثرائه ثقافتنا ومعرفتنا دوماً بهكذا نصوص إبداعية رصينة .. متمنياً له دوام التألق والنجاح .. تحيتي والود.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.