أعلان الهيدر

الثلاثاء، 17 أبريل 2018

الرئيسية أحلام الراية السوداء

أحلام الراية السوداء



سعاد الزامك

الكاتبة سعاد إلزامك
نبذته قبيلته بالعراء مذموماً بعد أن رفعوا الراية السوداء على داره ، و قد أصدروا قرارهم بعد إدانته في مجلسهم العُرفي . خرج
يمشي مُكباً على وجهه يجر أقدامه المتورمة بصعوبة شديدة في تلك الأرض القاحلة تُحيط به كل تلك الجبال الساكنة في شموخ ، تغوص همومه في بحور من الرمال المسجورة . برغم خواء أمعائه و جدب حلقه و اشتهائه و لو لقطرة ماء واحدة إلا أن جسده كان يتصبب عرقاً غزيراً لو حصده لكفاه الظمأ لعدة أيام .
اغرورقت عيناه بنظرات مشدوهة حين بدت النجوم و كأنها قد طُمست ، و الجبال تنحني في خشوع خوفاً من أن تُنسف ، فظل يردد دعاء قد حفظه عن والده طالبا عون السماء . انفرجت الأرض ، شاهدهم يَنسلَّون من بين طبقاتها الدونية ، و قد تدثروا ( بريحِ صَرْصَرِعاتية ) . التفوا حوله في تناغم غير مسبوق فبدوا و أعينهم ترمي بشرر كالقصر أماط الهدوء عن نفسه .
كانوا يَتشِحون بعِداد من الرهب ، لَمز أولهم المُقنَع إليه ثم عاجله بأوامره كي يتبعه ، فأهطع الفقيد ببصره وتبعه بدون أدنى مقاومة . ولجوا سراديب حالكة الظلام ثم عرجوا إلى طاقة في قمة الجبل الأوسط ، رأى أُناساً سامدون في مكمنهم تُظِلَهم غمامة سوداء لا تُغنيهم من قيظ استشاط فورة و غلاياناً . غافله الهلعُ فسطا على قلبه من هول ما يرى ، تمنى أنه لم يُحط به هؤلاء القوم .
مَثُل أمام حاكمهم الذي قربه منه ، و أمر وزيره أن يتلو عليه قوانين مملكته ، فعاجله بالأمر إما أن يُوقِع على الموافقة عليها أو يُرجم مع المرجومين . أقر بالموافقة على ما تُلي عليه بعد أن أخبروه بأنه سيحيا بينهم ، و ينعم بأجمل فتياتهم التي عرضوها عليه . كانت باسقة الطرف .. كحيلة الهدب .. مقصورة في خيمتها تتحلى بثياب من سُندس لا تخفي منها خافية . ما أن وقعت عيناه عليها لم يستطع أن يغض البصر فقد سطت على لُبه و قلبه في الحال ، صار مسيراً و ليس مخيراً .
دقت الطبول و صدحت الأبواق ، تراقصت الغواني على موسيقى صاخبة ، و تم زفافهما في ذلك العُرس المهيب . مرت الأعوامُ و لما استشعر تبدل حاله إلى النقيض قرر أن يحنث بعهدهم حنثاً عظيماً كي يتدارك غيظه الكظيم في واقع أليم ، و الفرار من مملكتهم قبل أن يحظى بسخط من الله . أدركه الصباح ، أفاق من أضغاث أحلام مزقت منه كل مُمزق ، و أعادته إلى صواب افتقده منذ أعوام . تلفت حوله فوجد الراية السوادء ما زالت مرفوعة أمام داره ، و نادى المنادي في الحي .. هلموا إلى الجلسة العرفية ، و عليه إعداد ما يُبرئه أو نفاذ الحكم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.