أعلان الهيدر

الأحد، 15 أكتوبر 2017

معالم

الصورة نقلا عن موقع الكرامة برس

أسمهان خلايلة 
أسمهان خلايلة
تخيلت أن شجيرات الزيتون الصغيرة قد عرفت عن العلاقة الحميمة التي ربطتني بأمهاتها المُعَمِرات َُ لعشرين عاما قبل أن افارقهن تهجيرا لا هجرة طوعية ، انا بنت العقود الثمانية أبليت ستا منها متنقلة في دول الجوار حتى استقر بي المقام في اسكندنافيا قدحت زناد الذاكرة مرارا لأتاكد من مكان الساحة العمومية لتجمع أهل القرية يسبقهم إليها صباحا قطيع البقر ليصحبه راعيه حيث السهول في الجهة الجنوبية بلاط الساحة تمت إزالته وتحولت إلى موقف سيارات بعدما كانت تجمعا للمناسبات وكم ردد الرجال مع الحداء ( هاي ساحة العين واحنا رجالها )تغلٌب الصفيح على الحجارة الصقيلةوغابت شجرة الزنزلخت الكبيرة بجانب دار أبو محمود .

مظهران تمت إزالتهما تماما ، البيوت المتراصة كأنها صناديق لنقل الدجاج الى مصانع التعليب ، وممر المشاة ينحسر إلى أقل من مساحة القدمين ، الروائح تغيرت وقد كانت خليط من روث الحيوانات ، وقلي المأكولات صباحا لزوادة العاملين في حقولهم أو في مصانع المدن القريبة من قريتي ،تتجاور اليوم محلات ومطاعم تبيع أصناف أكل يدعم العولمة !

متعددة هي عمليات التجميل التي أُجريت للقرية فتضخمت وانتفخت وهزلت في مواضع اخرى ، ألوان وأصباغ فاقعة وأضواء تتسلط عليها من كل الجهات.

ركنت سيارة الترحال لأزور المؤسسة الاولى التي نهلت بين جدران غرفها الثلاث تعليمي الإبتدائي وسط ضجيج الشيوخ والكبار الذين حذروا ابي من تعليمي لأ سأتعلم كيف اكتب رسائل غرامية.

الغرف تكاثرت فتحولت الى ثلاثين ، جلست في غرفة المدير بعدما تأكد الحارس من بطاقتي الشخصية وهو يكرر : إنه إجراء روتيني يا أختي ، تفرس بي الأستاذ عامر الذي دعاني واتم إجرءات تصريح زيارتي وهو من قدامى زملائي في هذه المدرسة : أهلا وسهلا زميلتي ، نشكرك لاختيارك مدرستنا لالقاء محاضرتك الأولى فيها .. ثم تابع كأنه فهم نظرة الإستفسار في عيني :

اتستغربين أن أتعرف عليك ؟

لم أُحر إلا جواب العينين تمعنان النظر في وجهه.

صحيح أن غضون السنين انحفرت على وجهك أخاديد حكايات وقصص طوال ، وأن مشيتك صارت أكثر تؤدة يا صديقتي لكن بريق العينين يعكس دواخل نفسك التي عرفناها .. مرح ينساب من عينيك لا يمكن أن يمٌحي .

كم قضينا من الوقت نقرأ رواية الأرض الطيبة لبيرل باك الامريكية ونظل نتخيل مدى حبها للشعب الصيني واعجابها بتلك البلد تصف حياة الفلاح الذي يزرع الارز وفلاح بلادنا يرفع اليدين تضرعا ينتظر محصول القمح فياتي العثماني ليصادره وتعلم منه الاسرائيلي ففضل الاستيلاء على الارض والزرع والضرع ....

: غريب كم انقلبت ملامح قريتنا .

: لكنكِ يا عزيزتي عرفتِها رغم غيابك الطويل والتغييرات، إنه دليل على وجودها في وجدانك أنظري إن قرانا ومدننا بكاملها قد تعرضت لعمليات جراحية ليست بالتجميلية .

..نظرت إلى وجهي في زجاج النافذة المقابلة ، سنوات العمر المنتظر ، ستون عاما موجودة على وجهي تشهد .

نظرت اليه لأسأله التأكد من وصول بقية رفاق الصبا ..لمحت في نظراته تلك الوشاية..عن سبب تذكره السريع لي ، بأنه لم ينس تفاصيل ملامحي ليوم واحد من زمن مضى .


أسمهان خلايلة الجليل الفلسطيني
تشرين الأول 2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.