أعلان الهيدر

الجمعة، 8 سبتمبر 2017

الرئيسية قراءة نقدية للمجموعة القصصية "حلم أشهب" لسعاد الزامك

قراءة نقدية للمجموعة القصصية "حلم أشهب" لسعاد الزامك


د/ بسيم عبد العظيم عبد القادر

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيد الأولين و الآخرين، سيدنا محمد، و على آله و صحبه أجمعين . و بعد فهذه مجموعة قصصية بعنوان " حلم أشهب " للقاصة المهندسة سعاد عبد السلام الزامك. و المهندسة قاصة و شاعرة في آن معاً و إن قل شعرها قياساً إلى قصصها القصيرة، فلها ثلاث مجموعات قصصية هي : قرار أخير لأسوار العناد – ط1 – دارة الحلاج الثقافية – 2014م حلم أشهب – ط1 – إبداع للتنمية الثقافية 2015م و هناك مجموعة ثالثة تحت الطبع و هي المجموعة الأولى في الترتيب. و لها قصص منشورة على موقع جريدة الجمهورية الإلكتروني و مواقع عديدة أخرى، كما نشر بعض قصصها في كتيب مؤتمر قويسنا الرابع التابع للهيئة العامة لقصور الثقافة. و بالنسبة للشعر فلها قصائد متفرقة نشر بعضها على موقع جريدة الجمهورية الإلكتروني و مواقع أخرى. و لها قصيدة ( ثورة فقير ) نشرت في جريدة الشعب الورقية، كما أعيد نشرها ضمن ديوان جماعي عنوانه ( أوتار ) – صدر عن جمعية مبدعي الغد. إضافة إلى قصيدة ( ارجع حبيبي )، نشرت في جريدة الراية الدولية الورقية. مجموعة حلم أشهب لسعاد الزامك هي مجموعتها الثالثة إذاً، و قد قام بمراجعتها الزميلة الفاضلة و الابنة الغالية د/ هدى عطية، و تتكون من اثنتين و ثلاثين قصة، تتراوح أطوالها ما بين 3 صفحات و صفحة واحدة على النحو التالي: سبع قصص، كل قصة ثلاث صفحات. عشرون قصة، كل قصة صفحتان. خمس قصص، كل قصة صفحة واحدة. و هي أطوال معقولة في زمن يميل إلى السرعة و الاختزال، حتى إنه ظهرت أنواع جديدة من القصص كالقصة الشاعرة و القصة القصيرة جدا. تميل القاصة سعاد الزامك في قصصها إلى التأنق في الأسلوب و الميل إلى رسم الصور الأدبية، و لعل ذلك أثر من آثار شاعريتها. تعمدت القاصة إبهام الزمان و المكان و الأشخاص، ذلك أنها تعالج موضوعات اجتماعية و إنسانية تتكرر في كل زمان و مكان، و إن بدا الزمان و المكان أحيانا من خلال أحداث القصة، حيث القرية أو المدينة، و حيث زمان ثورة 25 يناير في مصر. إهداء المجموعة ينم عن وفاء القاصة لمن مد لها يد العون و منحها الأمل رغم اليأس و الخوف انتظاراً لسحابة تحمل معها السعادة المنتظرة. عالجت القاصة في مجموعتها كثيراً من الموضوعات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و النفسية، بأسلوب رشيق أنيق و لغة أدبية وشحتها بالكثير من الصور الأدبية، مما يجذب القارئ المتذوق لالتهامها في جلسة واحدة، حيث يجد فيها صورة نفسه و مجتمعه الصغير و الكبير. استلهمت الكاتبة أسلوب القرآن الكريم و قصصه في قصصها مما أضفى عليها مسحة من جمال الأسلوب القرآني، و دل على ثقافة القاصة الإسلامية. عنوان المجموعة القصصية يحمل عنوان القصة قبل الأخيرة و هي القصة الحادية و الثلاثون " حلم أشهب ينير عتمة آمالها " و التي تعالج ظاهرة من أهم الظواهر الاجتماعية في مصر، بل في العالم العربي، هي ظاهرة العنوسة، و قد عالجتها القاصة بأسلوب أدبي جميل، فحلم كل فتاة أن ترتدي الثوب الأبيض والطرحة... و لكن هناك من حُكم عليهن بالحرمان من هذا الحلم و المنظر الجميل، و لكن الحلم يظل يراودهن حتى يغزو المشيب رؤوسهن، و إن استسلم كثير منهن للقدر و تذرعن بالصبر أو توضأن من معينه على حد تعبير القاصة. كثيرا ما تختم االقاصة قصتها بعنوانها، فيما يشبه رد العجز على الصدر في القصيدة العربية لربط آخرها بأولها، و تضفيرها في بناء محكم يفضي أوله إلى آخره. مع جمال أسلوب القاصة و إحكام بنائها القصصي و الاهتمام بالصور الأدبية المشرقة، فإنه وقعت بعض الهنات اللغوية و النحوية التي أحصيتها جميعاً و أتمنى أن تخلو منها الطبعة الثانية للمجموعة، حرصاً على الكمال الذي لا يكاد يبلغه أحد. و من أمثلة ذلك صرف الممنوع من الصرف، و هذا لا يجوز إلا في الشعر ( ص5 قرأت تعاويذاً ادخرتها لتقيها سرابيل الجمر المتقد من جميع ذكرياتها ) و قد تكرر ذلك كثيرا (ص32 أحاسيساً). و منها كذلك استخدام ( لازال ) في موضع ( ما زال )، و الأولى تفيد الدعاء و الأخرى تفيد الاستمرار وهو المقصود مثل ( لازال الماء في ارتقاء حتى أوشك على الغرق ) ص35 و هناك هنات لغوية مثل كتابة : ( سبات ) بالثاء ( ثبات ) ( ص35 أسلم جفنيه إلى ثبات عميق )، وكتابة ( فرائصه ) بالسين ( فرائسه ) ( ص35 انتفضت فرائسه ). استخدمت القاصة اسم الفاعل ( ذاعنا ) و الصواب ( مذعنا ) لأنها من الفعل الرباعي أذعن فهو مذعن و في القرآن الكريم ( و إن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين ) ( ص 34 كلما طلبته لباها ذاعناً ). و تستخدمت كذلك ( حصيت ) بمعنى ( أحصيت ) ( ص 25 كم حصيت من الدنيا ). تستخدم الكاتبة و إن قليلا.. على لغة أكلوني البراغيث.. كقولها (ص33 طاردوهم أهلها بشراستهم )، وكقول القائل: ظلموني الناس، و في الحديث النبوي الشريف ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل و ملائكة بالنهار ). هناك بعض الهنات النحوية ( ص53 هرول خلفه أولئك الجائعين ) و الصواب الجائعون لأنها بدل من اسم الإشارة أولئك. هناك بعض الأخطاء في ضبط الكلمات. كثيرا ما ينتهي السطر بواو العطف و هو مغاير لقواعد الإملاء. تشابه عنوان القصتين: الثالثة ( أنشودة عقوق ) و الحادية عشرة ( بوتقة عقوق ) و قد عالجت فيهما القاصة موضوعين على درجة كبيرة من الأهمية ففي الأولى عرضت لاعتداء الأب على ابنته تحت إغراء أنوثتها المستفحلة التي تخطت ضمير الأب في أنشودة عقوق، و هذا من عقوق الآباء للأبناء الذي ألمح إليه الفاروق عمر بن الخطاب حين جاءه أب يشكو من عقوق ابنه، فلما سأل الابن ووجد أن الأب لم يحسن إليه كما ينبغي قال له عمر: لقد عققت ولدك قبل أن يعقك. و في القصة الأخرى ( بوتقة عقوق ) تعالج مشكلة عقوق الأبناء لأبيهم بعد ان منحهم حياته، و ثروته، وتخليهم عنه و وضعه في دار رعاية المسنين، و تشير فيها القاصة إلى قصة عقوق أبناء سيدنا يعقوب الواردة في سورة يوسف حيث تقول : ( أخيراً دق ناقوس الرحيل، فطلب رؤية أبنائه للمرة الأخيرة، بلغه النبأ، فادعى كل منهم الفجيعة، و تبرأوا من دم عقوقهم و قد أتوا به على قميص بهتانهم ) ص22،23. و من الموضوعات التي عالجتها القاصة وهي على درجة كبيرة من الأهمية موضوع انتشار الفساد في البر و البحر و خراب الضمائر و أنه لا مكان للشرفاء في هذا الوطن أو ( لا عزاء للشرفاء )، وهو عنوان القصة التاسعة والعشرين، حيث يقرر الترشح في الدورة البرلمانية لمجابهة الفساد، و يحارب المرشح بشتى وسائل الفساد من ضغط و ترهيب و ترغيب، و لكنه يتمسك بمبادئه لانتشال بلدته من الضياع عبر ممرات العفن و العبور بشعبها إلى بر الأمان، و لكن هيهات فتزهق روحه، و تتجول تلك الروح الضائعة بين اللجان و الناخبين لتجد: البعض يهدد الناخبين. البعض يرشو الفقراء بالنقود و السلع. البعض يناضل بصدق للدعاية لمرشح ناصع التاريخ و الذمة. البعض يزحف في الظلام لتبديل الصناديق بأخرى لصالح أحد المرشحين. ينتهي التصويت و تعلن النتيجة: نفس المرشحين ذوي الذمم النخرة. و قد أبهمت الكاتبة الزمان و المكان والأبطال، كعادتها في كل قصصها، لتؤكد استشراء هذه القصص في كل زمان و مكان. هناك قصة غير منطقية على الإطلاق و هي القصة الثالثة و العشرون ( عدل و ما أوفى )، حيث تزوج الشاب أربع بنات لأعمامه الأربعة، إرضاء لأبيه الذي رفض زواجه من إحدى بنات عمه التي يحبها و تحبه، حتى لا تفت الغيرة في عضد تماسكهم و حبهم. و هنا نجد أن حبه لابنة عمه دفعه إلى إرضاء أبيه. ثم تعرض لحيل النساء الثلاث الأخريات و هي: السحر – المكائد – الإغواء، و عدم إنجاب حبيبته، بينما تنجب الأخريات، و سقوطه في دوامة الحرمان رغم تعدد أبنائه. تذكرة لمقولة أبيه بعد فوات الأوان حيث قال أبوه: ( القلب له واحدة، و العقل له ألف واحدة.. لابد من العدل بينهن لتسلم حياتك )،فارقته النشوة. ومن غير المنطقي في هذه القصة أن صديق والده الأوربي هو الذي يذكره بمبدأ تعدد الزوجات في دينه. كما عالجت المجموعة: العلاج بالجهل و الفقر و التعاويذ في قصة قصيرة جدا عبارة عن أربعة أسطر و هي القصة الأخيرة في المجموعة ( تحيا بأكفان ميت ) ص66، حيث تصيب الحمى الطفلة الذكية في سن الخامسة، فتعالج بالجهل.. الفقر.. التعاويذ، فتدمر خلايا مخها النابغ و يسكن الجسد و يخرس اللسان و تعيش إلى سن الأربعين بجسد طفلة تحيا بأكفان ميت. ولا يختلف ذلك – من وجهة نظري – كثيرا عن علاج فيروي سي و الإيدز بواسطة الكفتة. تستخدم القاصة تقنية الفلاش باك في السينما في قصتها (جحيم العودة)، وهي القصة السابعة والعشرون في المجموعة، حيث البدء من نهاية القصة، ثم اجترار الذكريات على مدار القصة، حيث الفتاة المحصنة كانت ضحية لبيئتها و حيث اقتحام الشاب لأسوار مبادئها و قيمها و دينها وخوفها من الآخر، واستجابتها له و تجاوبها معه، إلى أن وقعت الواقعة التي هدمت أسوارها التي طالما تحصنت بها، لتتركه مرتدية ثوب الفتاة المهمشة على حافة المجرة، تستظل بحلم خامد من وهج ماض مستعر. ثم يكون سؤال القدر: " مسكينة أنتِ أيتها المُسيَّرة، هل ستذوقين يوماً نعمة الاختيار؟! " و تعالج انتصار عقل البنت على قلبها، وعدم وقوعها في الغواية، وتمسكها بعفافها مع أنها في عقد تتغني فيه الأغلبية بترانيم البغاء، و ذلك في قصتها ( لقطاء الغواية ) وهي القصة الخامسة والعشرون من المجموعة، وأقترح تغيير عنوانها إلى: "أنثى العفاف" أو "لقطاء الغواية وأنثى العفاف". و في قصتها ( أخيراً أعلنت العصيان ) و هي القصة الرابعة و العشرون تقوم بالموازاة و الموازنة بين استبداد الحاكم و استبداد الزوج، وإهمال كل منهما لواجباته مما يؤدي إلى الثورة في النهاية وإعلان العصيان، مستلهمة ثورة الخامس و العشرين من يناير، حيث تخرج الزوجة إلى الميدان ( ميدان التحرير ) للاحتفال بتنحي الرئيس، و تنزع فتيل الثورة الكامنة بداخلها منذ أعوام، و أخيرا أعلنت العصيان. و الموضوعات كثيرة و منها: التعارف على الفيس بوك و الوقوع في الحب في القصة الأولى ( قبلة حارة ). تمرد المرأة على حبها حين يصارحها بحبه لغيرها، محاولة مغالبة الذكريات التي تطاردها حتى لا تقع في الخنوع ( متمرة ) ق2 ص4،5. غياب الابن بالهجرة، و ترك الأم وحيدة ( مسحة حزن خفيفة ) ق4. أطفال الشوارع واستغلالهم في التسول، وهي قصة ( شلالات الوهم ) ق5، و قد بنيت على المفارقة في التعبير والتصوير. تنكر الحبيب لحبيبته، و خريف الغيرة الحمقاء، و مباغتته بحب غيره، في قصة ( غياهب العشق ) ق9 مفارقة عجيبة بين الرجل و المرأة في موقف يقوم على الإغواء والإغراء ( عزف الخواء ) ق10، الإغواء من جانب المرأة و الانتصار على النزوات من جانب الرجل. الحب من أول نظرة ( وحده في أحلامها ) ق12. التنكر للحب و الجري وراء الحب المزيف و عقبى ذلك، الغدر بالأولى وغدر الأخرى به ( ماذا بعد رحيلي ) ق13، ما الدنيا إلا مسرح كبير!. مشكلة الخلع، و المجتمع الذكوري، ليس كل ذكر رجلاً ( مرآة ) ق15 ص30،31.. من المؤمنين رجال. الفروق الطبقية بين الزوجين و أثرها في تدمير الأسرة ( أخيراً دثرها الأمان ) ق16 ص32،33. الاعتماد على تقنية الحلم في سرد القصة ( كلمة السر الضياع ) ق71 ص34،35، مستهتر يموت ويكفن و يبعث و يدخل السعير ثم يفيق من سباته، و عساه يفيق من سكرته. طفلة جميلة بريئة يتم اختطافها و الاعتداء عليها، ثم إلقاء جثتها في البحر، الذي يلفظها على الشاطئ، و تألم أبيها الفنان الذي رسمها بخطوط و ألوان تتأوه من لوعته ( أمواج الغدر ) ق18 ص36،37. الاعتماد على المفارقة للشعور بالندم من العريس الذي وقع فريسة اتهامات باطلة لعروسه من أبناء عمومتها الطامعين في وصالها لجمالها وبراءة قلبها، ونجح الحقد والحسد في تدمير فرحة المحبوبة ( عاشق لبراءة قلبها ) ق19 ص38،39. الموازنة بين حياة السادة وحياة الخدم في المجتمع، و استخدام الرمز أو ما يسمي برصاصة الرحمة التي تطلق على خيل الحكومة الكبير، الذي طالت مدة خدمته و أصبح غير قادر على الوفاء بواجباته. وهتاف الثورة ( عيش – حرية – عدالة اجتماعية ) و انتصار الطبقة المترفة في النهاية على البؤساء الذين يزدادون بؤساً ( رصاصة لإقصاء الخيل الكبير ) ق20 ص40-42. لعب القمار طمعاً في الثراء مما يودي بحياة المقامر حين يراهن على حياته ( المنضدة الخضراء ) ق21ص43. نظرة من اغتنى بالحرام، فتبدلت أحواله من بؤس إلى نعيم، ثم تأمله في ماضيه البائس و حاضره اليائس، مما يجعله يحتسي قنينة الخمر حتى يثمل من الشراب و من أفكاره، ثم تتعالى صرخاته المغلفة بضحكاته الهستيرية المنتشية على شفاهه المتشققة من مرارة جرائمه، لينتهي به الحال إلى أن يشنق نفسه برابطة عنقه ( نظرة ساخرة حولته إلى أشلاء ) ق22 ص44،45. وقد أرادت سعاد الزامك أن تبين لنا نهاية المجرمين، و ما أكثرهم بمجتمعنا حين يقفون أمام أنفسهم ويتذكرون ماضيهم البائس و حاضرهم اليائس، فينتحرون ليلقوا جزاءهم في الآخرة بعد أن خسروا الدنيا، وإن كنت أرى أن هذه أمنية سعاد لهؤلاء المجرمين، وليست تعبيرا عن واقعهم الأثيم حيث غياب الضمير ونسيان الخالق والتعدي على الخلق، فهل تتحقق أمنية سعاد يوما في مجتمعاتنا العربية؟!.

د/ بسيم عبد العظيم عبد القادر
قسم اللغة العربية كلية الآداب ـ جامعةالمنوفية
4:15 عصر السبت 27/8/2016

يتم التشغيل بواسطة Blogger.