.
غريبي بوعلام
سؤال
- ما الحياة ؟..
- أن تأتي إليها
بعد أربعة ملايير سنة
تطرح السؤال نفسه،
ثم تخرج منها..
فارغ الوفاض منه
فارغ الوفاض منها. !
منذ غابر الأزمان، منذ وُجد الإنسان، يسأل و يسائل عن معنى الحياة، لماذا وُجِدت؟ من أين أتت؟ إلى أين هي ذاهبة؟ إلى غيرها مِن أسئلة لها علاقة بوجوده فوق كوكب الأرض، إلى أن تشكلت عبر مرور الزمن الطويل، أفكار و وجهات نظر و فلسفات مختلفة اختلاف الألوان، متعدّدة تعدد الأذواق بحلوها و مُرها، بأبيضها و أسودها، بتشاؤمها و تفاؤلها.
تقدم الشاعرة وجهة نظرها و فهمها الخاص للحياة، من خلال تجاربها الخاصة و مشوارها الطويل مع القراءة و الكتابة و التأمل، إلى أن تراكم و تخمّر في أعماقها ذلك الكم الكبير من المفاهيم و المعاني، مع ذلك نلمس محاولتها التجرد على قدر استطاعتها من مخزونها الثقافي، لتسجل مفهوما جديدا عن الحياة في قالب شعري وامض يخترق القارئ إلى العمق. هَمها تجديد المعنى، تحديث مفهوم الحياة بعد التقدم الهائل الذي عرفته العلوم التجريبية و الإنسانية، تحاول الإبداع دون الوقوع في التقليد و الإتباع.
كي تصدم القارئ جعلت العنوان (سؤال)، و البيت الأول سؤالا (مالحياة ؟) سؤال يحفز العقل على البحث و التفتيش عن الجواب، و تأمل الجواب المقترح في البيت الثاني من القصيدة (أن تأتي إليها) يأتي إلى الحياة بعد أربعة ملايير من السنوات التي تعتبر عُمر حياة كوكب الأرض قبل أن يوجد الإنسان عليه، فما نسبة عمر الإنسان بالمقارنة بِعمر الأرض؟ إلا كحفنة رمل من صحراء، أو بضع نجمات من مجرة.
يأتي الإنسان إلى الحياة بعد كل ذلك العُمر العملاق، ليسأل من جديد ما الحياة؟، فيظل طوال حياته الطويلة بالنسبة له، و القصيرة جدا جدا بالنسبة لعُمر الأرض، يبحث و ينقب عن الجواب الشافي الوافي لذلك السؤال، الذي صار معضلة محيّرة للعقول المفكرة، لكبار الفلاسفة و المفكرين عبر التاريخ إلى زماننا هذا، إلى أن تحول إلى نوع من التحدي للإنسان في المستقبل القريب أو البعيد. فمن يا ترى سيكون صاحب الحظ الكبير؟، الذي سيحل هذا اللغز و يكشف سر الحياة الذي شيّب العقول المفكرة.
رغم الجهود الجبارة و الخطوات العملاقة، في تفسير و تحليل معنى الحياة، يخرج منها الإنسان دون أن يجد لها التفسير الحقيقي و لا الجواب المقنع الذي يروي عطش العقول الباحثة، يذهب الإنسان عن الحياة أو تذهب هي عنه، دون الوصول إلى الجواب الشافي للغليل، يصير جثة هامدة بلا حياة دون أن يدرك معنى الحياة، يخرج منها فارغ الوفاض، لا يأخذ منها شيئا معنويا و لا ماديا، و لا الجواب عن ذلك السؤال المطروح منذ فجر البشرية إلى يومنا هذا و الأجيال الآتية.
ثم يخرج منها..فارغ الوفاض منه، ضمير الهاء هنا يعود إلى ذلك السؤال المطروح في بداية القصيدة، فارغ الوفاض منها، ضمير الهاء هنا يعود على الحياة، و الوفاض في اللغة هو ( مكان يُمسك الماء، جلدة توضع تحت الرحى، خالي الوفاض : لا يملك شيئأ ) هذا التعريف منقول.
استعارت الشاعرة كلمة الوفاض الفارغ كصورة بلاغية، لتوصل لنا فكرة اللاشيء و اللامعنى اللّذان يحصل عليهما البشر في آخر المطاف، جعلتها في أخر القصيدة كلدغة عقرب لكن سمها غير قاتل في أعماق القارئ.
من جهة أخرى جعلت نهاية القصيدة مفتوحة لتترك المجال الفكري مفتوحا على مصراعيه، لمزيد من الفكر و التفكير في هذا الموضوع الشائك، الذي لم و لن ينتهي إعمال العقل فيه كما أسلفت، كل هذا في الأخير كي لا يقع الإنسان في الحقيقة المطلقة التي تغلق كل أبواب التفكير بالتالي ركود الفلسفة. و من خلال بعض قصائد ديوان ( ترتيب العدم ) نلاحظ تجنيد الشاعرة لقلمها لكسر و تحطيم فكرة المطلق، و تدعيمها للفكر النسبي الذي يفتح آفاقا كبيرة للفكر الإنساني اللامحدود كما في هذه القصيدة القصيرة جدا.
غريبي بوعلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق