بقلم: زياد جيوسي
شهور عدة لم أقرأ فيها قصائد أو دواوين شعر إلا صدفة، بعضها كنت أقرأها ولا تترك أثراً بذاكرتي والبعض وهي القلة مما قرأت ما ترك أثراً لا يزول بسهولة، فالشعر وخاصة النثري إن افتقد اللوحات الفنية والرمز والجرس الموسيقي لن يتجاوز مستوى الخاطرة المكتوبة على شكل شعر والشعر منها براء، وفي عصر الثورة الرقمية وكون المجال مفتوح للكتابة والنشر لكل من أراد، بتنا نغرق في بحر من الرداءة وطوفان المستشعرين، فأصبحنا نعاني من كثرة الشعر وقلة الشعراء، وهذا ما نلمسه الآن بالرواية التي أصبح كل من هب ودب يكتب روايات لا علاقة لها لا بالرواية ولا بالكتابة.
وفي ظل هذا البحر المتلاطم قرأت قصيدتين للشاعرة المتمكنة رفعة يونس أثارتا روحي للقراءة والتمتع أكثر من مرة، وأثارتا قلمي ليكتب بعد طول غياب عن الكتابة وقراءة النصوص الشعرية بروحي وقلمي، والنص الأول حمل اسم "بين الربيع وكورونا" وهو نص من عنوانه أنه حديث العهد كتبته الشاعرة التي تسكن مدينة عمَّان في ظل منع الحركة وحظر التجوال بسبب الجائحة العالمية التي تمكنت الحكومة الأردنية من محاصرتها بخطوات شديدة ولكنها صبت في مصلحة المواطن، وفي هذا النص والأشبه بهمس الروح شوقا للربيع الذي حرمت منه، نجد نصا اجتمعت به عدة لوحات حطت على مهل، فاللوحة الأولى وصفت الربيع وإطلالته، واللوحة الثانية لوصف الحال الذي أصبحنا به حين فرحنا بالربيع ولم تطل الفرحة، حتى داهمتنا هذه الجائحة التي انتشرت كمرض مخيف ومميت في أنحاء العالم فحصدت الآلاف من الأرواح ومئات الألوف من الضحايا الذين أصابتهم العدوى، لتعود في لوحة أمل للربيع والفرح والأمل بانتهاء هذه الجائحة والمحنة والحلم بغد أجمل..
كان وصف الربيع متميز برسم اللوحة الربيعية بالكلمات فقد صورته كعطر ناعم وكعريس "يتهادى هذا الربيع" على " غيمة عطر ..سماوية"، ناثرا للزهور وعرائش الورد " ليشعل هذا الكون ...زهورا" ممسدا لعشب الحقول مرخيا جنون الظفائر فترتاح الأرواح لمشهد الربيع "يبعث خدرا في الأرواح" وجمالا في الطبيعة والروابي فهو" جمالا شهيا . ..في الربوات" ، لتنقلنا من هذه اللوحة الشاعرية الجميلة والمتميزة الى لوحة ثانية مناقضة للأولى تصور آثار هذا الزائر العابر فجأة متسللا من تحت أجنحة الربيع، فيجعل المدن خاوية "مدائن خاوية، إلا من وسائل هذا الموت، والطرقات فارغة والعيون ترقب من خلف النوافذ أفواج الراحلين" يلملم كل خطى المارين، عن الطرقات، وأرصفة الانتظار"، ويترك الجميع مع قلوبهم ولكنها "قلوبا واجفة"، ولا بد من الإشارة لحجم الأمل في روح الشاعرة حين وصفت هذا الوباء بأنه زائر وعابر " ذاك العابر".
في اللوحة الثالثة تعود روح الشاعرة التي رغم كل شيء لم تفقد الأمل ولم تستسلم للواقع المخيف والمؤلم، فهي ترى أن الربيع يعود لينثر الفرح، يغسل الطرقات من آثار هذا الزائر المزعج، فهو "يسري كهفهفة الريح" ويقوم هذا الربيع و"ينفي جائحة ...قد حلت"، وهو "يسرج مهر الحكايا
في خلد الأحفاد" حيث ستصبح هذه المرحلة بعض من ذاكرة في أذهان الأحفاد، فالربيع سيعود من جديد آتيا لنا وحاملا " أعراسا...وشالات للفرح".
الجميل في هذا النص أنه أتى لروح الشاعرة في ظل اشتداد الأزمة وكأن روحها تهمس لنا: "اشتدي يا أزمة تنفرجي"، وأن الشاعرة رغم الخوف الجاثم على صدور سكان الكرة الأرضية قاطبة، كانت تحلم بالفرح وترى أن هذا الوحش الذي اجتاحنا ليس أكثر من زائر عابر للطرقات، وأن نسمات الربيع والأمل والفرح سيكون لها دورها بكنس آثاره وعودة الفرح للأرواح المتعبة.
للشاعرة رفعة يونس بصمتها الخاصة في قصائدها ونصوصها، وفي نصها الثاني "في يوم ميلادي" ... الذي قرأته وشدني نراها كما كل عام تواكب ذكرى ميلادها مع بوح روحها، وهذا العام وفي ظل الحصار ومنع التجوال والتوتر الذي يعيش به الناس في أردننا الحبيب وفي العاصمة عمَّان، تهمس في نصها للغد الجميل فهي ونحن في الربيع المعطل والموقوف تهمس للربيع في عيد ميلادها وتقول: "سأهدهد زهر الحقول، أردد للنوار بواكير أحلام"، والربيع بعيد عن الرؤيا فلا سيارة يمكنها أن تسير ولا حافلة، ولا يمكن لإنسان أن يخرج من نطاق بيته إلى مكان آخر، فكيف للطبيعة والجمال؟ لكنها الحالمة دوما لا تتوقف عند حدود هذا الحلم، بل تصر أن تقول: "أشدو للعاشق، ذاك المتيم ....بالعينين، ترانيم وجد، قصائد حب"، وبدون أن تحدد من هذا العاشق وتكتفي بالإشارة للمجهول "ذاك المتيم"، فما يعنيها ليس من يكون هو فهذه مسألة تبقى بين نبضات قلبها التي تشدو له ذلك العاشق، فقد أعطته الصفة العامة حتى تصل للهدف، وهدفها معلن وهو الفرح رغم كل الظروف المحيطة والخوف الذي يجتاح العالم، وتراه وهو يجول المدينة مع انطلاق صافرت الإنذار في كل يوم، فتقول: "ألملم نجمات الصبح أنظمها للجيد قلائد".
فالغد ما يهمها فتحلم من أجله ولا تترك المجال للخوف أن يجتاح محيطها الصغير بين أزهارها وأسرتها، فهي في روحها كانت وما زالت " تحرس ما قد تبقى من صهوات العمر"، وتصر أن يبقى الغد هو الحلم الأجمل فتعزف له: "سيمفونيات ...أناشيد، تعلن ...أن القادم أبهى وأجمل"، فبالحب والإيمان وحدهما مقتنعة "أن جدار العتمة لابد ينهار"، و "أن شموسا ستشرق تملأ الكون"، وتشبه النور القادم منها في تشبيه جميل بالخيول الأصيلة" تملأ الكون صهيلا للنور"، فالخيول من تصهل وهنا النور كأنه خيول قادمة تحمل رايات الانتصار وتصهل، وتجلب معها "شالات.. صبوات لأحلى نهار".
هكذا اعتادت رفعة يونس أن تحلّق روحها في قصائدها، مقدمة ومتن وخاتمة، فنقرأ قصة على شكل قصيدة، وقصيدة كما أنها قصة، فهي تتقن اللغة وتمتلك الروح وتبتعد عن السرد وتكثف الكلمات، وتبدع باللوحات المرسومة بالكلمات، فلم أمتلك وأنا أجول بين حروفها الصمت.. فتكلمت..
"جيوس 22 نيسان 2020"
شهور عدة لم أقرأ فيها قصائد أو دواوين شعر إلا صدفة، بعضها كنت أقرأها ولا تترك أثراً بذاكرتي والبعض وهي القلة مما قرأت ما ترك أثراً لا يزول بسهولة، فالشعر وخاصة النثري إن افتقد اللوحات الفنية والرمز والجرس الموسيقي لن يتجاوز مستوى الخاطرة المكتوبة على شكل شعر والشعر منها براء، وفي عصر الثورة الرقمية وكون المجال مفتوح للكتابة والنشر لكل من أراد، بتنا نغرق في بحر من الرداءة وطوفان المستشعرين، فأصبحنا نعاني من كثرة الشعر وقلة الشعراء، وهذا ما نلمسه الآن بالرواية التي أصبح كل من هب ودب يكتب روايات لا علاقة لها لا بالرواية ولا بالكتابة.
وفي ظل هذا البحر المتلاطم قرأت قصيدتين للشاعرة المتمكنة رفعة يونس أثارتا روحي للقراءة والتمتع أكثر من مرة، وأثارتا قلمي ليكتب بعد طول غياب عن الكتابة وقراءة النصوص الشعرية بروحي وقلمي، والنص الأول حمل اسم "بين الربيع وكورونا" وهو نص من عنوانه أنه حديث العهد كتبته الشاعرة التي تسكن مدينة عمَّان في ظل منع الحركة وحظر التجوال بسبب الجائحة العالمية التي تمكنت الحكومة الأردنية من محاصرتها بخطوات شديدة ولكنها صبت في مصلحة المواطن، وفي هذا النص والأشبه بهمس الروح شوقا للربيع الذي حرمت منه، نجد نصا اجتمعت به عدة لوحات حطت على مهل، فاللوحة الأولى وصفت الربيع وإطلالته، واللوحة الثانية لوصف الحال الذي أصبحنا به حين فرحنا بالربيع ولم تطل الفرحة، حتى داهمتنا هذه الجائحة التي انتشرت كمرض مخيف ومميت في أنحاء العالم فحصدت الآلاف من الأرواح ومئات الألوف من الضحايا الذين أصابتهم العدوى، لتعود في لوحة أمل للربيع والفرح والأمل بانتهاء هذه الجائحة والمحنة والحلم بغد أجمل..
كان وصف الربيع متميز برسم اللوحة الربيعية بالكلمات فقد صورته كعطر ناعم وكعريس "يتهادى هذا الربيع" على " غيمة عطر ..سماوية"، ناثرا للزهور وعرائش الورد " ليشعل هذا الكون ...زهورا" ممسدا لعشب الحقول مرخيا جنون الظفائر فترتاح الأرواح لمشهد الربيع "يبعث خدرا في الأرواح" وجمالا في الطبيعة والروابي فهو" جمالا شهيا . ..في الربوات" ، لتنقلنا من هذه اللوحة الشاعرية الجميلة والمتميزة الى لوحة ثانية مناقضة للأولى تصور آثار هذا الزائر العابر فجأة متسللا من تحت أجنحة الربيع، فيجعل المدن خاوية "مدائن خاوية، إلا من وسائل هذا الموت، والطرقات فارغة والعيون ترقب من خلف النوافذ أفواج الراحلين" يلملم كل خطى المارين، عن الطرقات، وأرصفة الانتظار"، ويترك الجميع مع قلوبهم ولكنها "قلوبا واجفة"، ولا بد من الإشارة لحجم الأمل في روح الشاعرة حين وصفت هذا الوباء بأنه زائر وعابر " ذاك العابر".
في اللوحة الثالثة تعود روح الشاعرة التي رغم كل شيء لم تفقد الأمل ولم تستسلم للواقع المخيف والمؤلم، فهي ترى أن الربيع يعود لينثر الفرح، يغسل الطرقات من آثار هذا الزائر المزعج، فهو "يسري كهفهفة الريح" ويقوم هذا الربيع و"ينفي جائحة ...قد حلت"، وهو "يسرج مهر الحكايا
في خلد الأحفاد" حيث ستصبح هذه المرحلة بعض من ذاكرة في أذهان الأحفاد، فالربيع سيعود من جديد آتيا لنا وحاملا " أعراسا...وشالات للفرح".
الجميل في هذا النص أنه أتى لروح الشاعرة في ظل اشتداد الأزمة وكأن روحها تهمس لنا: "اشتدي يا أزمة تنفرجي"، وأن الشاعرة رغم الخوف الجاثم على صدور سكان الكرة الأرضية قاطبة، كانت تحلم بالفرح وترى أن هذا الوحش الذي اجتاحنا ليس أكثر من زائر عابر للطرقات، وأن نسمات الربيع والأمل والفرح سيكون لها دورها بكنس آثاره وعودة الفرح للأرواح المتعبة.
للشاعرة رفعة يونس بصمتها الخاصة في قصائدها ونصوصها، وفي نصها الثاني "في يوم ميلادي" ... الذي قرأته وشدني نراها كما كل عام تواكب ذكرى ميلادها مع بوح روحها، وهذا العام وفي ظل الحصار ومنع التجوال والتوتر الذي يعيش به الناس في أردننا الحبيب وفي العاصمة عمَّان، تهمس في نصها للغد الجميل فهي ونحن في الربيع المعطل والموقوف تهمس للربيع في عيد ميلادها وتقول: "سأهدهد زهر الحقول، أردد للنوار بواكير أحلام"، والربيع بعيد عن الرؤيا فلا سيارة يمكنها أن تسير ولا حافلة، ولا يمكن لإنسان أن يخرج من نطاق بيته إلى مكان آخر، فكيف للطبيعة والجمال؟ لكنها الحالمة دوما لا تتوقف عند حدود هذا الحلم، بل تصر أن تقول: "أشدو للعاشق، ذاك المتيم ....بالعينين، ترانيم وجد، قصائد حب"، وبدون أن تحدد من هذا العاشق وتكتفي بالإشارة للمجهول "ذاك المتيم"، فما يعنيها ليس من يكون هو فهذه مسألة تبقى بين نبضات قلبها التي تشدو له ذلك العاشق، فقد أعطته الصفة العامة حتى تصل للهدف، وهدفها معلن وهو الفرح رغم كل الظروف المحيطة والخوف الذي يجتاح العالم، وتراه وهو يجول المدينة مع انطلاق صافرت الإنذار في كل يوم، فتقول: "ألملم نجمات الصبح أنظمها للجيد قلائد".
فالغد ما يهمها فتحلم من أجله ولا تترك المجال للخوف أن يجتاح محيطها الصغير بين أزهارها وأسرتها، فهي في روحها كانت وما زالت " تحرس ما قد تبقى من صهوات العمر"، وتصر أن يبقى الغد هو الحلم الأجمل فتعزف له: "سيمفونيات ...أناشيد، تعلن ...أن القادم أبهى وأجمل"، فبالحب والإيمان وحدهما مقتنعة "أن جدار العتمة لابد ينهار"، و "أن شموسا ستشرق تملأ الكون"، وتشبه النور القادم منها في تشبيه جميل بالخيول الأصيلة" تملأ الكون صهيلا للنور"، فالخيول من تصهل وهنا النور كأنه خيول قادمة تحمل رايات الانتصار وتصهل، وتجلب معها "شالات.. صبوات لأحلى نهار".
هكذا اعتادت رفعة يونس أن تحلّق روحها في قصائدها، مقدمة ومتن وخاتمة، فنقرأ قصة على شكل قصيدة، وقصيدة كما أنها قصة، فهي تتقن اللغة وتمتلك الروح وتبتعد عن السرد وتكثف الكلمات، وتبدع باللوحات المرسومة بالكلمات، فلم أمتلك وأنا أجول بين حروفها الصمت.. فتكلمت..
"جيوس 22 نيسان 2020"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق