حاورتها المبدعة أمنة برواضي
السلام عليكم دكتورة: سعاد الناصر.
أولا، أرحب بكم وأشكركم على تفضلكم بالموافقة على الإجابة عن أسئلتي.
ليكن أول سؤال:
من هي سعاد الناصر؟
جواب:
وعليكم السلام ورحمة الله، أشكر لك المبدعة المتميزة أمينة برواضي على هذه الاستضافة الكريمة، وأنت أهل الكرم، التي تعكس انشغالاتك الجمالية والثقافية، وعلى هذه الحوارات التي تقربنا إلى المهتمين بالشأن الثقافي والأدبي في العالم العربي.
سعاد الناصر امرأة مغربية، معتزة بمغربيتي، من مواليد تطوان شمال المغرب، أم لستة أبناء، وجدّة لأحفاد يشاغبون الطفلة التي بداخلي. انقطعت عن الدراسة لأتزوج في سن الخامسة عشر، وأنا ما زلت في لفائف طفولتي، ظلت حرقة العلم غصة في حلقي إلى أن التحقت بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان لمتابعة دراستي بعد اجتيازي لامتحان الباكالوريا. ثم حصلت على دكتوراة الدولة، واشتغلت أستاذة التعليم العالي بجامعة عبد المالك السعدي. عملت على إنشاء فرقة البحث في الإبداع النسائي في الكلية التي أشتغل فيها، ثم منسقة ما ستر الكتابة النسائية في المغرب. آمنت دائما أن الأدب والفن عموما ضرورة إنسانية ملحة لا يمكن أن يعيش دونها، فهو الذي يشكل وجدانه ويستفز عقله ويسائله حول موضوعات يحيا بها الإنسان ومن أجلها، كما آمنت أنه رسالة تمنح القارئ الانخراط في عوالم لامتناهية، وتمنح الكاتب حياة إضافية، يعيشها بكل تفاصيلها وعمقها.
سؤال:
2 ـ دكتورة، أصدرتم في مجال الإبداع:
في القصة القصيرة : إيقاعات في قلب الزمن.
ظلال وارفة في معارج الشوق أرتقي.
وفي الشعر:
لعبة اللانهاية فصول من موعد الجمر. سأسميك سنبلة، هل أتاك حديث أندلس.
وفي الرواية: كأنها ظلة.
ولكم في النقد عدة كتب منها: نساء في دائرة العطاء السرد النسائي بين قلق السؤال وغواية الحكي. محكي المقاومة في السرد النسائي المغربي..
أستاذتي الفاضلة، بالنظر إلى تنوع عطائكم بين شعر وقصة ورواية ونقد. هل يمكن لنا القول أنكم عبرتم إلى النقد عبر جسر الأدب؟
وما هي الصعاب التي يمكن أن يواجهها المبدع الناقد؟
وهل تضعون معايير النقد نصب أعينكم لحظة الإبداع؟
وكيف يمكن تفادي الصنعة في عملية الإبداع؟
جواب:
ـ جئت إلى الأدب أو جاءني، منذ أن وعيت نفسي والعالم من حولي، وأصبح في مقدوري التعبير عما يعنّ لي. فقد كتبت محاولات شعرية وسردية قبل التحاقي بالكلية لمتابعة الدراسة، ثم تتابعت الكتابة الأدبية إلى الآن. والناظر إلى تجربتي الإبداعية، لا شك سيلاحظ التطور الذي بصمها، ففي البدايات الأولى تحكمت العفوية والتلقائية فيها، ونوع من الوعي الذاتي البسيط للذات وللعالم، ثم بدأ التحول نحو النضج الفكري والأدبي بعد أن تلونت كتاباتي بعصارة تكويني العلمي والأكاديمي، إلى جانب وعيي بتجربتي الإنسانية ورؤيتي للأشياء، وبرز فيها بشكل جلي، الخلفية الثقافية والنقدية والفكرية التي تصدر عنها، لكن هذا لا يعني أنها تتخذ شكل معايير صارمة توجه الكتابة الأدبية، لأن الأدب بصفة عامة، ما هو سوى تعبير عن وعي الأديب وتجربته المميزة ورؤيته الخاصة، وإذا زادت جرعة الخلفية النقدية وغطّت على خصوصية التجربة، نكون أمام تجربة متكلفة، لا تعبر عن جوهر الأدب وخصوصيته. ومن جهة أخرى يمكن القول بأن العلاقة بين الناقد والمبدع علاقة تكامل، إضافة إلى أن الأديب يتحول إلى متلق وناقد لعمله بمجرد ما ينتهي منه.
سؤال:
3 - أصدرتم 2019 رواية كأنها ظلة وهي أول عمل روائي لكم كيف كانت تجربتكم مع السرد في جنس الرواية؟
جواب:
ـ ما يجب أن أبوح به قبل الإجابة عن هذا السؤال أنني منذ الطفولة أدمنت قراءة النصوص الروائية بشكل كبير، وكانت مكتبة والدي رحمه الله توفر لي ما أروي بي عطشي لهذا الجنس الأدبي، وظل هذا الشغف مصاحبا لي، في كل مراحل حياتي. ورغم أنني بدأت الكتابة من خلال جنسي الشعر والقصة القصيرة، ولا زلت، كنت دائما أحنّ إلى كتابة الرواية، لكني كنت أتهيّب ولوج هذه المغامرة، لأنني كنت أدرك أنها تحتاج إلى نفس طويل، وإلى وقت للتفرغ لها، وإلى أن تضيف إلى المشهد الروائي بصمة خاصة. ذلك أن الرواية عندي توظيف لطاقة تخييلية، تزود القارئ بالمتعة والمعرفة، وتثير في نفسه سحر الأفكار الملهمة، وإلا تصبح مجرد حكي مسطح يرضي فئات معينة من القراء، ولا يضيف لرصيد القارئ الجمالي والمعرفي شيئا. ولعل هذا سرّ ما أدركه كتاب الروايات الخالدة أمثال دوستويفسكي وتوماس مان وريبيكا غولد شتاين وجين أوستن ونجيب محفوظ ورضوى عاشور وغيرهم ممّن تميّزت رواياتهم باستنطاق الحياة الإنسانية، في ضعفها وقوتها، ومقاومتها واستسلامها، وما استخلصوه منها من جمال وفلسفة وفكر ومعرفة. ولذلك لم أجرؤ أن أقرر أنني سأكتب رواية، إلا بعد أن تيقنت أنني أملك رصيدا معينا من التجربة الإنسانية، أستطيع به أن أخوض مغامرة السرد الروائي، وكانت النتيجة رواية كأنها ظلة التي ظلت أكثر من خمس سنوات عالقة في تفاصيل حكي، أودعته بعضا من القيم التي أومن بها، وصغت من خلاله أحداثا وشخصيات باحت بمجموعة من الأسئلة الوجودية والجمالية، تناسلت من لحظاتنا الآنية لتتوغل نحو الماضي القريب والبعيد، محاولة تلمّس أهم القضايا التي تعاني منها الشعوب العربية وهي غياب الحريات والعدالة الاجتماعية. وأفترض أنني حاولت حياكة عالم إنياني، بما يتضمنه من مواقف ورؤى، تشتمل على الواقعي والتاريخي والأسطوري والحِلمي، وبما يرصده من تفاصيل تتوزع بين اليومي والمسكوت عنه من جهة، وبين الإبحار في ممكنات التخييل من جهة ثانية.
سؤال:
4 ـ رواية كأنها ظلة لقيت ترحيبا من النقاد وعرفت عدة دراسات هل يمكن أن نعتبر هذا حافزا ويفتح شهيتكم للسرد؟
جواب:
للرواية الأولى، وللنص الأول بصفة عامة، سحر خاص، ينبغي الاهتمام به والاحتفاء بما جاء به، لأنه يحمل في طياته تباشير ولادة جديدة. وقد لقيت رواية "كأنها ظلّة" ترحيبا متميزا واحتفاء خاصا من النقاد والدارسين، وتناولوها بموضوعية، بالدرس والتحليل من مختلف الزوايا والجوانب، وحاوروا إشكالاتها الجمالية وأسئلتها. وهذا في حقيقة الأمر، يحفز الأديب على الاستمرارية، لأن النقد والأدب جناحا العملية الإبداعية، التي لا تستمر إلا إذا واكب النقد الموضوعي والعلمي النص الأدبي، لتقويمه، ولاستخراج ما في مكنوناته. ذلك أنه لا معنى لانشغال الناقد بالمناهج والنظريات دون مواكبة الإبداع، خاصة المستجد في الساحة الأدبية.
سؤال:
5 ـ ما هو موقفكم من الحركة الثقافية في المغرب عامة ومدينة تطوان خاصة؟
جواب:
يمكن القول بأن الحركة الثقافية في المغرب بصفة عامة وتطوان بصفة خاصة في حركة دؤوبة، بالنظر إلى عدد الملتقيات والندوات العلمية والأدبية وتقديم مجموعة من الإصدارات الجديدة، بغض النظر عن القيمة والمستوى، فهذا شيء آخر يحتاج إلى وقفة متأنية، هذا على مستوى الثقافية التي يمكن أن تندرج في إطار الحركة الثقافية العالِمة، وهناك مستوى آخر برز وعرف حركية متصاعدة، وهو الذي يندرج في إطار الثقافة الوسائطية، بمختلف وسائلها وتقنياتها وتأثيراتها، تقوم التكنولوجيات الجديدة بأدوار متعددة في صياغة مضامينها وأشكالها، وتبليغها. ولا شك أن هذه الثقافة الوسائطية أصبحت تحرك المشهد العام، وتؤثر في المتلقي، من مختلف الأجيال والحساسيات، أكثر مما تؤثر فيه الثقافة العالِمة، بما تتيحه من فضاءات كلاسيكية، وهو أمر يفرض على المهتمين بالشأن الثقافي والمنخرطين فيه، إعادة النظر في طبيعة الاستفادة من آلياتهما، والعمل على دمج المستويين في إطار رؤية تشتمل على التعامل مع ما تنتجه الثقافة من معارف علمية وأدبية وسياسية ودينية وغيرها مما يفرزه العقل والمتخيل الجمعي بوصفها مكونا رئيسيا لتشكيل التمثلات وأنواع المعارف وأنماط السلوك والذوق، ونبذ كل ما من شأنه اعتبارها ترفا وتزجية للوقت، واستغلال الوسائط التكنولوجية لتنمية عادة القراءة المنتظمة، وتعلم استقطاب المعلومة الصحيحة من مواقع تعرف نوعا من الشرعية والانضباط، وتوثيقها ورقيا.
سؤال:
6 ـ بصفتكم رئيسة فرقة البحث في الإبداع النسائي، وتشرفون على ماستر الكتابة النسائية بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان هل إحداث ماستر الكتابة النسائية إقرار في حد ذاته بأن هناك أدبا رجاليا وأدبا نسائيا؟
جواب:
ـ بداية يجب أن نتفق على شيء، وهو أن الكتابة فعل إنساني بامتياز بغض النظر عن كاتبه، ولا يمكن تحديده إلا من داخل دائرة الكتابة نفسها، الأمر الذي يعني أننا لا يمكن أن نتمثل الإبداع خارج سياقاته الثقافية والمعرفية ، وبالتالي حين نحاول تحديد مفهوم الكتابة النسائية أو الأدب النسائي بصورة أدق، فيجب أن نحدده انطلاقا من سياقاته، أي أن الأنوثة ليست معيارا يحدد أدبية ذلك الأدب الذي تكتبه المرأة أو جماليته، قد تكون سمة من سماته، أو رؤية معينة لها شروطها الخاصة، لكن الأدب يظل أدبا، وأي قراءة له ينبغي ألا تقتصر على توصيفه، وإنما الاقتراب من جوهر خطابه الأدبي، وما ينتجه من أسئلة جديدة. وبالتالي لا يمكن البحث فيه عن خصوصية نابعة من جنس كاتبه، إنما تنبع خصوصيته مما يتفرد به فنيا وجماليا، وما يتميز به موضوعيا. ليس من أجل الدخول فيما أعبر عنه بفتنة التشنجات، وإنما لأن من حق المرأة أن تأخذ قسطا موازيا من الاهتمام النقدي الجاد، بعد عصور من الصمت والتهميش. وعلى كل حال فقد أصبح المصطلح يفرض نفسه منذ أن راج في الساحة الثقافية الغربية والعربية على حد سواء، وأصبح حقيقة متداولة، يسعى نحو إثبات حق المرأة في الحضور الكلي في مختلف المجالات، وفي مجال الإبداع والأدب للتعبير عن كل ما يختلجها من مشاعر وعن مختلف القضايا الذاتية والموضوعية بدون استثناء. ونظرة سريعة إلى النصوص الأدبية المكتوبة بقلم المرأة العربية التي تزامنت مع انبثاق المصطلح وشيوعه، نجد أنها حرصت على الإعلان عن تمرد الأنثى وتحديها لأي حصار عن كتاباتها، فكانت عناوين من مثل أنا أحيا لليلى بعلبكي لم تعد جواري لكم لسحر خليفة امرأة خارج الحصار لرجاء أبو غزالة، الغد والغضب لخناتة بنونة وغيرها من العناوين تعلن عن قوة حضورها وخروجها من دائرة التهميش التي صاحبتها منذ القديم. وقد حددنا مصطلح الكتابة النسائية أو الأدب النسائي في الماستر الذي أشرف عنه للتعبير عن كل الكتابات التي تصدر المرأة، مهما كان توجهها السياسي أو الفكري أو الأدبي، ولا يعبر عن مفهوم النسوانية الضيقة، وإنما هو مفتوح يصدر عن الأدب الذي تكتبه المرأة، بصفتها إنسانا تخاطب الإنسانية جمعاء.. وبفضل ما راكمته الكتابة النسائية في العقود الأخيرة، في مختلف الأجناس الأدبية، يمكن الحديث عن حضور جاد، وعن مشاركة المرأة بقوة في إعادة تشكيل الواقع جماليا وموضوعيا، انطلاقا من تجربتها بكل أبعادها وحدودها، ودرجات وعيها، وإخصاب العمل الإبداعي برؤية نابعة من طبيعتها الأنثوية، الأمر الذي ينبئ عن خصائص جمالية تشكل طفرة نوعية في الأدب العربي، تتمثل فيما عرفته من تنوع في آليات إبداعها ومنافذ اشتغالها المنفتحة على عوالم مختلفة ومتنوعة، تستوجب تعميق قراءتها ونقدها لسبر أغوار قضاياها، والقبض على مستويات جمالها، دون مزايدات خارجة عن نطاق الأدب والإبداع.
سؤال:
7 ـ هل استطاعت المرأة المبدعة أن تصل إلى ما كانت تتوق إليه أم هناك أشياء لا تزال حكرا على الرجل؟
جواب:
أعتقد أن طموح المرأة مثلها مثل الرجل لا يُحد، ودائما تتطلع نحو مكتسبات جديدة، والمبدعة بصفة خاصة استطاعت أن تكسر حواجز كثيرة، رغم ما يحيط بها من نظرات متشكّكة في ظل مجتمع ذكوري لا يزال يفرض قمعه وتسلّطه، وأن يكون قلمها عنوانا للكينونة والتحدي والكشف والتمرد. والحمد لله في إمكان المرأة أن تنطلق في كتاباتها إلى حيث تشاء دون قيد أو شرط، سوى ما تفرضه الضرورة الإبداعية. وأن تبحث لنفسها عن آفاق أوسع للحرية والتحرر، بل إن المرأة في بعض نصوصها تجاوزت الرجل في عرضها لمجموعة من القضايا والأمور، إن على مستوى الشكل أو المضمون، وأرجو أن يستطيع الباحثون الشباب تجلية ذلك بمناهج علمية صارمة.
سؤال:
8 ـ دكتورة، من موقعكم كرئيسة فرقة البحث في الإبداع النسائي، هل يمكن أن تقربنا من الصعاب التي يمكن أن تعترض المرأة عندما تكون في مركز كهذا؟
جواب:
ـ التحديات كثيرة، والصعوبات أكثر، لكن العمل الجماعيمع مجموعة من الأساتذة من داخل الكلية وخارجها، يستطيع أن يذلل كل الصعاب، ومن هذا المنبر أوجه شكر خاص لكل الأساتذة الذين حملوا معي عبء تكوين أكاديمي متخصص في الأدب النسائي، وساهموا بمجهودات قيمة في تدريب الطلبة الباحثين على مهارات وكفايات في البحث العلمي بصفة عامة، وفي مجال هذا التكوين المختص بصفة خاصة، وتأطيرهم للتأهيل في مختلف مجالات البحث العلمي والإنتاج المعرفي والأدبي والفكري بمهنية عالية ونكران ذات.
سؤال:
9 ـ دكتورة، كما سبقت الإشارة لكم إصدارات في النقد تخص السرد النسائي وتشرفون على ماستر الكتابة النسائية، من وجهة نظركم كيف يمكن تقييم الأدب النسائي المغربي مقارنة مع باقي البلدان العربية؟
جواب:
ينبغي الإشارة أن المرأة المغربية العالمة والمبدعة كانت حاضرة وإن بشكل خافت في التراث المغربي، ويمكن أن نمثّل لها بالشاعرة سارة الحلبية التي عاشت في العصر المريني، وآمنة بنت خجو في العصر السعدي، وغيرهما. وحضور المرأة في العصر الحديث هو استمرار لذلك. وإذا أردنا أن نؤرخ للبدايات الأولى للأدب النسائي المغربي الحديث نجدها في كتابات مليكة الفاسي وآمنة اللوه وارحيمو المدني، ليتوالى الحضور بعد ذلك، وتتدفق عدد كبير من النصوص الإبداعية في مختلف الأجناس الأدبية، استطاعت أن تقدم إضافات نوعية للمنجز الأدبي العربي بصفة عامة، والنسائي بصفة خاصة، وأن تكتسب خصوصية نابعة من مجموع القيم الثقافية والاجتماعية التي تعيش فيها، ومن ارتباطها بمستجدات واقعها ومتغيراته، ومن محاولاتها الدؤوبة في الانخراط في تأسيس متخيّل إبداعي له إمكاناته الجمالية والمعرفية الخاصة، التي تساهم في إغناء أسئلة النقد الأدبي. ولذلك نجد أن الأدب النسائي المغربي عرف نوعا من التجديد سواء على مستوى اللغة وطرائق التخييل والكتابة، أم على مستوى الموضوعات المنفتحة على قضايا متنوعة، وطنية وعربية وإنسانية. والحقيقة أن كل هذا لا يمكن الحسم فيه إلا بمقاربة النصوص وتحليلها وتأويلها أيضا، ومقارنتها بالأدب النسائي في العالم العربي.
سؤال:
10 ـ بصفتكم ناقدة ومبدعة، ما هي رسالتكم للمبدعين خاصة الشباب منهم؟
جواب:
من الرسائل التي يمكن أن أوجهها للشباب هي:
ـ الحرص على القراءة والعض عليها بالنواجذ، لأنها المفتاح لكل باب، فهي التي تنقلنا إلى عوالم شاسعة، نتعرف من خلالها على تجارب وحيوات متعددة، وهي التي تصقل تجربتنا الخاصة إذا أردنا لها أن تكون متميزة. والقراءة تمكننا من امتلاك عدّة الكتابة، والتي هي اللغة والفكر والخيال والذوق والإرادة. وهي عدّة قابلة للتطوير والتنمية بالقراءة المستمرة في كل شيء، وفي كل مجال، حسب الميولات الشخصية والاهتمامات الذاتية.
ـ الحرص على التعبير بصدق واقتناع عما يريد الكاتب، فلا يتكلف ولا يفتعل، إنما يحاول أن يكتب عن التجربة كأنه يعيشها، وبذلك يكتسب بصمته الخاصة.
ـ الصبر والصبر ثم الصبر.
ـ صقل كتاباتنا باستمرار بالتدريب والتجويد، فالكتابة ليست موهبة فقط، وإنما هي صنعة تنمو وتتطور بالممارسة المتواصلة.
ولنعلم جميعا أنه ليس هناك كاتب ناجح وآخر فاشل، وإنما هناك كاتب يكتب لأنه يحب الكتابة، لا يخشى الفشل ويحصن ذاته بالقراءة والتخطيط والتجويد والثقة في النفس، وهناك كاتب يستسهل الكتابة ويكتب من أجل أغراض لا علاقة لها بالشغف النابع من الذات، فيظل يدور في إطار التبعية والتقليد. وفق الله الجميع.
وأكرر لك شكري المبدعة أمينة برواضي، فأنت بحق خير ممثلة للمرأة المغربية المبدعة، التي تشق طريقها بثبات وتميز.
شكرا لكم أستاذتي الفاضلة وفقكم الله في مسيرتكم.
حاورتها المبدعة أمنة برواضي.
السلام عليكم دكتورة: سعاد الناصر.
أولا، أرحب بكم وأشكركم على تفضلكم بالموافقة على الإجابة عن أسئلتي.
ليكن أول سؤال:
من هي سعاد الناصر؟
جواب:
وعليكم السلام ورحمة الله، أشكر لك المبدعة المتميزة أمينة برواضي على هذه الاستضافة الكريمة، وأنت أهل الكرم، التي تعكس انشغالاتك الجمالية والثقافية، وعلى هذه الحوارات التي تقربنا إلى المهتمين بالشأن الثقافي والأدبي في العالم العربي.
سعاد الناصر امرأة مغربية، معتزة بمغربيتي، من مواليد تطوان شمال المغرب، أم لستة أبناء، وجدّة لأحفاد يشاغبون الطفلة التي بداخلي. انقطعت عن الدراسة لأتزوج في سن الخامسة عشر، وأنا ما زلت في لفائف طفولتي، ظلت حرقة العلم غصة في حلقي إلى أن التحقت بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان لمتابعة دراستي بعد اجتيازي لامتحان الباكالوريا. ثم حصلت على دكتوراة الدولة، واشتغلت أستاذة التعليم العالي بجامعة عبد المالك السعدي. عملت على إنشاء فرقة البحث في الإبداع النسائي في الكلية التي أشتغل فيها، ثم منسقة ما ستر الكتابة النسائية في المغرب. آمنت دائما أن الأدب والفن عموما ضرورة إنسانية ملحة لا يمكن أن يعيش دونها، فهو الذي يشكل وجدانه ويستفز عقله ويسائله حول موضوعات يحيا بها الإنسان ومن أجلها، كما آمنت أنه رسالة تمنح القارئ الانخراط في عوالم لامتناهية، وتمنح الكاتب حياة إضافية، يعيشها بكل تفاصيلها وعمقها.
سؤال:
2 ـ دكتورة، أصدرتم في مجال الإبداع:
في القصة القصيرة : إيقاعات في قلب الزمن.
ظلال وارفة في معارج الشوق أرتقي.
وفي الشعر:
لعبة اللانهاية فصول من موعد الجمر. سأسميك سنبلة، هل أتاك حديث أندلس.
وفي الرواية: كأنها ظلة.
ولكم في النقد عدة كتب منها: نساء في دائرة العطاء السرد النسائي بين قلق السؤال وغواية الحكي. محكي المقاومة في السرد النسائي المغربي..
أستاذتي الفاضلة، بالنظر إلى تنوع عطائكم بين شعر وقصة ورواية ونقد. هل يمكن لنا القول أنكم عبرتم إلى النقد عبر جسر الأدب؟
وما هي الصعاب التي يمكن أن يواجهها المبدع الناقد؟
وهل تضعون معايير النقد نصب أعينكم لحظة الإبداع؟
وكيف يمكن تفادي الصنعة في عملية الإبداع؟
جواب:
ـ جئت إلى الأدب أو جاءني، منذ أن وعيت نفسي والعالم من حولي، وأصبح في مقدوري التعبير عما يعنّ لي. فقد كتبت محاولات شعرية وسردية قبل التحاقي بالكلية لمتابعة الدراسة، ثم تتابعت الكتابة الأدبية إلى الآن. والناظر إلى تجربتي الإبداعية، لا شك سيلاحظ التطور الذي بصمها، ففي البدايات الأولى تحكمت العفوية والتلقائية فيها، ونوع من الوعي الذاتي البسيط للذات وللعالم، ثم بدأ التحول نحو النضج الفكري والأدبي بعد أن تلونت كتاباتي بعصارة تكويني العلمي والأكاديمي، إلى جانب وعيي بتجربتي الإنسانية ورؤيتي للأشياء، وبرز فيها بشكل جلي، الخلفية الثقافية والنقدية والفكرية التي تصدر عنها، لكن هذا لا يعني أنها تتخذ شكل معايير صارمة توجه الكتابة الأدبية، لأن الأدب بصفة عامة، ما هو سوى تعبير عن وعي الأديب وتجربته المميزة ورؤيته الخاصة، وإذا زادت جرعة الخلفية النقدية وغطّت على خصوصية التجربة، نكون أمام تجربة متكلفة، لا تعبر عن جوهر الأدب وخصوصيته. ومن جهة أخرى يمكن القول بأن العلاقة بين الناقد والمبدع علاقة تكامل، إضافة إلى أن الأديب يتحول إلى متلق وناقد لعمله بمجرد ما ينتهي منه.
سؤال:
3 - أصدرتم 2019 رواية كأنها ظلة وهي أول عمل روائي لكم كيف كانت تجربتكم مع السرد في جنس الرواية؟
جواب:
ـ ما يجب أن أبوح به قبل الإجابة عن هذا السؤال أنني منذ الطفولة أدمنت قراءة النصوص الروائية بشكل كبير، وكانت مكتبة والدي رحمه الله توفر لي ما أروي بي عطشي لهذا الجنس الأدبي، وظل هذا الشغف مصاحبا لي، في كل مراحل حياتي. ورغم أنني بدأت الكتابة من خلال جنسي الشعر والقصة القصيرة، ولا زلت، كنت دائما أحنّ إلى كتابة الرواية، لكني كنت أتهيّب ولوج هذه المغامرة، لأنني كنت أدرك أنها تحتاج إلى نفس طويل، وإلى وقت للتفرغ لها، وإلى أن تضيف إلى المشهد الروائي بصمة خاصة. ذلك أن الرواية عندي توظيف لطاقة تخييلية، تزود القارئ بالمتعة والمعرفة، وتثير في نفسه سحر الأفكار الملهمة، وإلا تصبح مجرد حكي مسطح يرضي فئات معينة من القراء، ولا يضيف لرصيد القارئ الجمالي والمعرفي شيئا. ولعل هذا سرّ ما أدركه كتاب الروايات الخالدة أمثال دوستويفسكي وتوماس مان وريبيكا غولد شتاين وجين أوستن ونجيب محفوظ ورضوى عاشور وغيرهم ممّن تميّزت رواياتهم باستنطاق الحياة الإنسانية، في ضعفها وقوتها، ومقاومتها واستسلامها، وما استخلصوه منها من جمال وفلسفة وفكر ومعرفة. ولذلك لم أجرؤ أن أقرر أنني سأكتب رواية، إلا بعد أن تيقنت أنني أملك رصيدا معينا من التجربة الإنسانية، أستطيع به أن أخوض مغامرة السرد الروائي، وكانت النتيجة رواية كأنها ظلة التي ظلت أكثر من خمس سنوات عالقة في تفاصيل حكي، أودعته بعضا من القيم التي أومن بها، وصغت من خلاله أحداثا وشخصيات باحت بمجموعة من الأسئلة الوجودية والجمالية، تناسلت من لحظاتنا الآنية لتتوغل نحو الماضي القريب والبعيد، محاولة تلمّس أهم القضايا التي تعاني منها الشعوب العربية وهي غياب الحريات والعدالة الاجتماعية. وأفترض أنني حاولت حياكة عالم إنياني، بما يتضمنه من مواقف ورؤى، تشتمل على الواقعي والتاريخي والأسطوري والحِلمي، وبما يرصده من تفاصيل تتوزع بين اليومي والمسكوت عنه من جهة، وبين الإبحار في ممكنات التخييل من جهة ثانية.
سؤال:
4 ـ رواية كأنها ظلة لقيت ترحيبا من النقاد وعرفت عدة دراسات هل يمكن أن نعتبر هذا حافزا ويفتح شهيتكم للسرد؟
جواب:
للرواية الأولى، وللنص الأول بصفة عامة، سحر خاص، ينبغي الاهتمام به والاحتفاء بما جاء به، لأنه يحمل في طياته تباشير ولادة جديدة. وقد لقيت رواية "كأنها ظلّة" ترحيبا متميزا واحتفاء خاصا من النقاد والدارسين، وتناولوها بموضوعية، بالدرس والتحليل من مختلف الزوايا والجوانب، وحاوروا إشكالاتها الجمالية وأسئلتها. وهذا في حقيقة الأمر، يحفز الأديب على الاستمرارية، لأن النقد والأدب جناحا العملية الإبداعية، التي لا تستمر إلا إذا واكب النقد الموضوعي والعلمي النص الأدبي، لتقويمه، ولاستخراج ما في مكنوناته. ذلك أنه لا معنى لانشغال الناقد بالمناهج والنظريات دون مواكبة الإبداع، خاصة المستجد في الساحة الأدبية.
سؤال:
5 ـ ما هو موقفكم من الحركة الثقافية في المغرب عامة ومدينة تطوان خاصة؟
جواب:
يمكن القول بأن الحركة الثقافية في المغرب بصفة عامة وتطوان بصفة خاصة في حركة دؤوبة، بالنظر إلى عدد الملتقيات والندوات العلمية والأدبية وتقديم مجموعة من الإصدارات الجديدة، بغض النظر عن القيمة والمستوى، فهذا شيء آخر يحتاج إلى وقفة متأنية، هذا على مستوى الثقافية التي يمكن أن تندرج في إطار الحركة الثقافية العالِمة، وهناك مستوى آخر برز وعرف حركية متصاعدة، وهو الذي يندرج في إطار الثقافة الوسائطية، بمختلف وسائلها وتقنياتها وتأثيراتها، تقوم التكنولوجيات الجديدة بأدوار متعددة في صياغة مضامينها وأشكالها، وتبليغها. ولا شك أن هذه الثقافة الوسائطية أصبحت تحرك المشهد العام، وتؤثر في المتلقي، من مختلف الأجيال والحساسيات، أكثر مما تؤثر فيه الثقافة العالِمة، بما تتيحه من فضاءات كلاسيكية، وهو أمر يفرض على المهتمين بالشأن الثقافي والمنخرطين فيه، إعادة النظر في طبيعة الاستفادة من آلياتهما، والعمل على دمج المستويين في إطار رؤية تشتمل على التعامل مع ما تنتجه الثقافة من معارف علمية وأدبية وسياسية ودينية وغيرها مما يفرزه العقل والمتخيل الجمعي بوصفها مكونا رئيسيا لتشكيل التمثلات وأنواع المعارف وأنماط السلوك والذوق، ونبذ كل ما من شأنه اعتبارها ترفا وتزجية للوقت، واستغلال الوسائط التكنولوجية لتنمية عادة القراءة المنتظمة، وتعلم استقطاب المعلومة الصحيحة من مواقع تعرف نوعا من الشرعية والانضباط، وتوثيقها ورقيا.
سؤال:
6 ـ بصفتكم رئيسة فرقة البحث في الإبداع النسائي، وتشرفون على ماستر الكتابة النسائية بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان هل إحداث ماستر الكتابة النسائية إقرار في حد ذاته بأن هناك أدبا رجاليا وأدبا نسائيا؟
جواب:
ـ بداية يجب أن نتفق على شيء، وهو أن الكتابة فعل إنساني بامتياز بغض النظر عن كاتبه، ولا يمكن تحديده إلا من داخل دائرة الكتابة نفسها، الأمر الذي يعني أننا لا يمكن أن نتمثل الإبداع خارج سياقاته الثقافية والمعرفية ، وبالتالي حين نحاول تحديد مفهوم الكتابة النسائية أو الأدب النسائي بصورة أدق، فيجب أن نحدده انطلاقا من سياقاته، أي أن الأنوثة ليست معيارا يحدد أدبية ذلك الأدب الذي تكتبه المرأة أو جماليته، قد تكون سمة من سماته، أو رؤية معينة لها شروطها الخاصة، لكن الأدب يظل أدبا، وأي قراءة له ينبغي ألا تقتصر على توصيفه، وإنما الاقتراب من جوهر خطابه الأدبي، وما ينتجه من أسئلة جديدة. وبالتالي لا يمكن البحث فيه عن خصوصية نابعة من جنس كاتبه، إنما تنبع خصوصيته مما يتفرد به فنيا وجماليا، وما يتميز به موضوعيا. ليس من أجل الدخول فيما أعبر عنه بفتنة التشنجات، وإنما لأن من حق المرأة أن تأخذ قسطا موازيا من الاهتمام النقدي الجاد، بعد عصور من الصمت والتهميش. وعلى كل حال فقد أصبح المصطلح يفرض نفسه منذ أن راج في الساحة الثقافية الغربية والعربية على حد سواء، وأصبح حقيقة متداولة، يسعى نحو إثبات حق المرأة في الحضور الكلي في مختلف المجالات، وفي مجال الإبداع والأدب للتعبير عن كل ما يختلجها من مشاعر وعن مختلف القضايا الذاتية والموضوعية بدون استثناء. ونظرة سريعة إلى النصوص الأدبية المكتوبة بقلم المرأة العربية التي تزامنت مع انبثاق المصطلح وشيوعه، نجد أنها حرصت على الإعلان عن تمرد الأنثى وتحديها لأي حصار عن كتاباتها، فكانت عناوين من مثل أنا أحيا لليلى بعلبكي لم تعد جواري لكم لسحر خليفة امرأة خارج الحصار لرجاء أبو غزالة، الغد والغضب لخناتة بنونة وغيرها من العناوين تعلن عن قوة حضورها وخروجها من دائرة التهميش التي صاحبتها منذ القديم. وقد حددنا مصطلح الكتابة النسائية أو الأدب النسائي في الماستر الذي أشرف عنه للتعبير عن كل الكتابات التي تصدر المرأة، مهما كان توجهها السياسي أو الفكري أو الأدبي، ولا يعبر عن مفهوم النسوانية الضيقة، وإنما هو مفتوح يصدر عن الأدب الذي تكتبه المرأة، بصفتها إنسانا تخاطب الإنسانية جمعاء.. وبفضل ما راكمته الكتابة النسائية في العقود الأخيرة، في مختلف الأجناس الأدبية، يمكن الحديث عن حضور جاد، وعن مشاركة المرأة بقوة في إعادة تشكيل الواقع جماليا وموضوعيا، انطلاقا من تجربتها بكل أبعادها وحدودها، ودرجات وعيها، وإخصاب العمل الإبداعي برؤية نابعة من طبيعتها الأنثوية، الأمر الذي ينبئ عن خصائص جمالية تشكل طفرة نوعية في الأدب العربي، تتمثل فيما عرفته من تنوع في آليات إبداعها ومنافذ اشتغالها المنفتحة على عوالم مختلفة ومتنوعة، تستوجب تعميق قراءتها ونقدها لسبر أغوار قضاياها، والقبض على مستويات جمالها، دون مزايدات خارجة عن نطاق الأدب والإبداع.
سؤال:
7 ـ هل استطاعت المرأة المبدعة أن تصل إلى ما كانت تتوق إليه أم هناك أشياء لا تزال حكرا على الرجل؟
جواب:
أعتقد أن طموح المرأة مثلها مثل الرجل لا يُحد، ودائما تتطلع نحو مكتسبات جديدة، والمبدعة بصفة خاصة استطاعت أن تكسر حواجز كثيرة، رغم ما يحيط بها من نظرات متشكّكة في ظل مجتمع ذكوري لا يزال يفرض قمعه وتسلّطه، وأن يكون قلمها عنوانا للكينونة والتحدي والكشف والتمرد. والحمد لله في إمكان المرأة أن تنطلق في كتاباتها إلى حيث تشاء دون قيد أو شرط، سوى ما تفرضه الضرورة الإبداعية. وأن تبحث لنفسها عن آفاق أوسع للحرية والتحرر، بل إن المرأة في بعض نصوصها تجاوزت الرجل في عرضها لمجموعة من القضايا والأمور، إن على مستوى الشكل أو المضمون، وأرجو أن يستطيع الباحثون الشباب تجلية ذلك بمناهج علمية صارمة.
سؤال:
8 ـ دكتورة، من موقعكم كرئيسة فرقة البحث في الإبداع النسائي، هل يمكن أن تقربنا من الصعاب التي يمكن أن تعترض المرأة عندما تكون في مركز كهذا؟
جواب:
ـ التحديات كثيرة، والصعوبات أكثر، لكن العمل الجماعيمع مجموعة من الأساتذة من داخل الكلية وخارجها، يستطيع أن يذلل كل الصعاب، ومن هذا المنبر أوجه شكر خاص لكل الأساتذة الذين حملوا معي عبء تكوين أكاديمي متخصص في الأدب النسائي، وساهموا بمجهودات قيمة في تدريب الطلبة الباحثين على مهارات وكفايات في البحث العلمي بصفة عامة، وفي مجال هذا التكوين المختص بصفة خاصة، وتأطيرهم للتأهيل في مختلف مجالات البحث العلمي والإنتاج المعرفي والأدبي والفكري بمهنية عالية ونكران ذات.
سؤال:
9 ـ دكتورة، كما سبقت الإشارة لكم إصدارات في النقد تخص السرد النسائي وتشرفون على ماستر الكتابة النسائية، من وجهة نظركم كيف يمكن تقييم الأدب النسائي المغربي مقارنة مع باقي البلدان العربية؟
جواب:
ينبغي الإشارة أن المرأة المغربية العالمة والمبدعة كانت حاضرة وإن بشكل خافت في التراث المغربي، ويمكن أن نمثّل لها بالشاعرة سارة الحلبية التي عاشت في العصر المريني، وآمنة بنت خجو في العصر السعدي، وغيرهما. وحضور المرأة في العصر الحديث هو استمرار لذلك. وإذا أردنا أن نؤرخ للبدايات الأولى للأدب النسائي المغربي الحديث نجدها في كتابات مليكة الفاسي وآمنة اللوه وارحيمو المدني، ليتوالى الحضور بعد ذلك، وتتدفق عدد كبير من النصوص الإبداعية في مختلف الأجناس الأدبية، استطاعت أن تقدم إضافات نوعية للمنجز الأدبي العربي بصفة عامة، والنسائي بصفة خاصة، وأن تكتسب خصوصية نابعة من مجموع القيم الثقافية والاجتماعية التي تعيش فيها، ومن ارتباطها بمستجدات واقعها ومتغيراته، ومن محاولاتها الدؤوبة في الانخراط في تأسيس متخيّل إبداعي له إمكاناته الجمالية والمعرفية الخاصة، التي تساهم في إغناء أسئلة النقد الأدبي. ولذلك نجد أن الأدب النسائي المغربي عرف نوعا من التجديد سواء على مستوى اللغة وطرائق التخييل والكتابة، أم على مستوى الموضوعات المنفتحة على قضايا متنوعة، وطنية وعربية وإنسانية. والحقيقة أن كل هذا لا يمكن الحسم فيه إلا بمقاربة النصوص وتحليلها وتأويلها أيضا، ومقارنتها بالأدب النسائي في العالم العربي.
سؤال:
10 ـ بصفتكم ناقدة ومبدعة، ما هي رسالتكم للمبدعين خاصة الشباب منهم؟
جواب:
من الرسائل التي يمكن أن أوجهها للشباب هي:
ـ الحرص على القراءة والعض عليها بالنواجذ، لأنها المفتاح لكل باب، فهي التي تنقلنا إلى عوالم شاسعة، نتعرف من خلالها على تجارب وحيوات متعددة، وهي التي تصقل تجربتنا الخاصة إذا أردنا لها أن تكون متميزة. والقراءة تمكننا من امتلاك عدّة الكتابة، والتي هي اللغة والفكر والخيال والذوق والإرادة. وهي عدّة قابلة للتطوير والتنمية بالقراءة المستمرة في كل شيء، وفي كل مجال، حسب الميولات الشخصية والاهتمامات الذاتية.
ـ الحرص على التعبير بصدق واقتناع عما يريد الكاتب، فلا يتكلف ولا يفتعل، إنما يحاول أن يكتب عن التجربة كأنه يعيشها، وبذلك يكتسب بصمته الخاصة.
ـ الصبر والصبر ثم الصبر.
ـ صقل كتاباتنا باستمرار بالتدريب والتجويد، فالكتابة ليست موهبة فقط، وإنما هي صنعة تنمو وتتطور بالممارسة المتواصلة.
ولنعلم جميعا أنه ليس هناك كاتب ناجح وآخر فاشل، وإنما هناك كاتب يكتب لأنه يحب الكتابة، لا يخشى الفشل ويحصن ذاته بالقراءة والتخطيط والتجويد والثقة في النفس، وهناك كاتب يستسهل الكتابة ويكتب من أجل أغراض لا علاقة لها بالشغف النابع من الذات، فيظل يدور في إطار التبعية والتقليد. وفق الله الجميع.
وأكرر لك شكري المبدعة أمينة برواضي، فأنت بحق خير ممثلة للمرأة المغربية المبدعة، التي تشق طريقها بثبات وتميز.
شكرا لكم أستاذتي الفاضلة وفقكم الله في مسيرتكم.
حاورتها المبدعة أمنة برواضي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق