أعلان الهيدر

الخميس، 13 فبراير 2020

الرئيسية قراءة في رواية ( قلب الملاك الآلي ) للروائية الجزائرية ربيعة جلطي.

قراءة في رواية ( قلب الملاك الآلي ) للروائية الجزائرية ربيعة جلطي.

غريبي بوعلام


( مانويلا ) البطلة الرئيسية في الرواية، عبارة عن جسم آلي ركب فيه رحم و قلب، صنعته شركة
( كونسيونس روبوتكس )المختصة في صناعة الروبوتات، هدفها كتابة كتاب عن الحياة البشرية،
تركوا لها حرية العيش مع البشر، فاختارت أن تكون من بين سبايا التي وقعت في أسر البردادي أو
( البغدادي ) أمير داعش في العراق الذي يسعى إلى تأسيس الدول الإيمانية الكونية انطلاقا من بغداد.
والذي يقتل في الرواية قبل الإعلان عن مصرعه في الواقع بعد صدور الرواية .
عندما شاهد الخليفة البردادي مانويلا فتنه جسدها، سال لعابه، سحره جمالها الباهر فوقع في حبها إلى
أن اعتقد أنها ملاك أرسله الله خصيصا له من السماء، فأطلق عليها اسم مانال الله، أحيانا أخرى يراها
حورية من حوريات الجنة التي وعد الله بها عباده المؤمنين في الجنة، و هو يجهل أن التي أمامه عبارة
عن روبوت أو إنسان آلي على شكل أنثى، و من خلال سلوك الخليفة و جماعته نحو مانويلا، تُظهر لنا
الروائية نظرة هؤلاء للمرأة التي لا تتعدى ظاهر الجسد، الذي لا يثير فيهم إلا شهواتهم المكبوتة، و
الشبق المعشش في أعماقهم، خاصة أن السبي مباح عند هؤلاء، يمكن للواحد منهم أن يسبي عشرات
بل مئات من الإناث، و يضاجعهن كما يريد وكما يشاء دون عقد شرعي، و ينجب منهن، لهذا فكر
الخليفة أن ينجب منها المولود الذي سيكون الأمير الذي سيرث تلك الدول الإيمانية الكونية، تحمل منه
لأن لديها الرحم الذي غرسته في جسدها خلسة عالمة من علماء كونسيونس روبوتيك، لكن فيما بعد
تسقط ذلك الحمل خوفا من ولادة بشر نصفه ألي و نصفه الأخر بشري. الكاتبة تريد أن تظهر لنا إلى أين
وصلت حضارة الغرب و كيف يفكرون، و تقارنهم بهؤلاء الدواعش المملوءة عقولهم بخرافات و
جزعبلات لا علاقة لها بالدين الصحيح، خاصة في حالة ما وقع صِدام بين جيش هؤلاء الغزاة مع
روبوتات آلية، فهل سيقتلونهم؟ أو يجعلون منهم عبيدا و سبايا، مع العلم أن هؤلاء عبارة عن آلات لا
ذكورة و لا أنوثة عندهم، لا جنسية لديهم و لا ديانة.
من خلال السرد، تحلل الكاتبة سلوك هؤلاء الدواعش، فترده إلى دوافع جنسية مكبوتة في جوفهم،
مغلّفة بصبغة دينية مقدسة، دليلها على ذلك هوسهم بالنساء، جنونهم بالإناث، و ولعهم بتكفيرهن
كذريعة لسبيهن، و وطئهن خاصة عندهم ما يسمى بجهاد النكاح، و في حالة موت أو ( استشهاد ) واحد
من هؤلاء سيجد سبعين حورية تنتظره عند باب الجنة، و نلمس في سرد الروائية استنباطا للعلوم
كالذكاء الاصطناعي والأبحاث العلمية الحديثة وتستند أحيانا لمدرسة التحليل النفسي لفرويد، الذي يرى
أن خلف كثير من سلوكات الإنسان رغبة جنسية خفية، و كل ذلك الذبح و التفجير و الخراب ما هو إلا
صورة مكبرة للاضطرابات العويصة التي في فرّخت في عقولهم الجامدة و فكرهم المتطرف.
مانويلا قادمة من الحدود بين شمال إسبانيا و جنوب فرنسا ( بواتيي ) و حسب ملف (عمار الباتر )
خادم الأمين للخليفة ( سماه الخليفة بالبتار لتخصصه و اتقانه بتر الأجساد و قطع الرؤوس ) والدها من
الأندلس و والدتها من بواتيي الفرنسية، قدمت الى هذه المنطقة بمحض إرادتها، و مدينة بواتيي
الفرنسية هي المدينة التي أنهزم فيها عبد الرحمان الغافقي سنة 732 م ( حاكم الأندلس حينها ) أمام
جيش ( كارل مارتل ) هذا القائد التي أوفق زحف المسلمين نحو شمال فرنسا، و يطلق عليها اسم
معركة ( بلاط الشهداء ) هذه المعركة التي قال فيها بعض المؤرخين لو فاز فيها المسلمين، لصارت كل
فرنسا مسلمة، و بعدها ستسقط كل الدول الأوروبية التي لها حدود معها، لهذا كان هدف أو غرض
الخليفة البردادي هو اعادة فتح الأندلس من جديد، و الزحف نحو الشمال للانتقام من (كارل مارتل )
الذي هزم المسلمين من قرون، و بهذه الطريقة في نظره سيحقق الدولة الإيمانية الكونية، نرى هنا
كيف وظفت الروائية حادثة تاريخية، لتبرز لنا كيف يفكر هؤلاء في الماضي البعيد، و جبروته عليهم،
و سيطرة السّلف على هذا الخلف أو الحاضر، و رغبتهم المُلحة في احيائه بحذافيره من جديد، و
اجتراره كصورة طبق الأصل، و الانتقام من أحداث مرت عليها قرون طويلة، إنها أ مة تعيش في
الماضي و تريد أن تحيه للمستقبل.
منذ وصول مانويلا إلى ذلك المعسكر و الانتصارات متلاحقة لجيش البردادي، كانوا يرون فيها بشارة
خير، أرسلها لهم الله، و زاد انبهارهم بها بما أظهرته من قدرات عقلية خارقة للعادة، تتكلم اللغة العربية
بطلاقة و تتقن عدة لغات، حفظت القرآن في وقت وجيز جدا بالإضافة إلى صحيح البخاري و كتب
أخرى، كانت لها القدرة على قراءة أفكار من يحدثها، و ذلك بتشغيل شرائح مزودة بها، و لم يدرك أحد
أنها إمرأة آلية، من خلالها تمكنت الروائية من رصد ما يجول في خاطر هؤلاء، و تحليل أفكارهم و
عواطفهم الهائجة في أعماقهم، و ما تحويه رؤوسهم من خرافات و غيبيات لا يقبلها لا عقل و لا منطق
و لا دين.
رغم كل تلك الانتصارات من ذبح و تقتيل و تفجير و نهب و سلب و سبي.....ينهزم جيش البردادي أمام
القوة التي تحاربه، فيضطر إلى الهرب إلى جنوب الجزائر، ومنها الذهاب إلى الأندلس الضائعة، و
التحضير من هناك لعمليات إرهابية جديدة في جنوب فرنسا بمدينة بواتيي، للإنتقام من التاريخ و ذلك
بعد وصول الكثير من السلاح و الذخيرة.
في الرواية بطلة أخرى، السيدة (حدة آل ميمون ) هي إمرأة يهودية تقيم في اسبانيا، رفضت العيش في
إسرائيل، التحقت بالبردادي و منحته كل ثروتها الطائلة، بغرض الانتقام من الذين قتلوا أجدادها و ما
فعلته محاكم التفتيش من تعذيب و قتل اليهود و ذلك بعد سقوط مدينة غرناطة سنة 1492 م و طرد
المسلمين من الأندلس نهائيا، نرى مرة أخرى من هذه الحادثة درجة هوس هؤلاء بالتاريخ، و ولعهم
بالانتقام من أحداث مات أصحابها منذ مئات السنين، و كأنهم سينتقمون من الهواء أو الريح أو الوهم
البالي الذي تكاثر في أعماقهم.
في الرواية أحداث أخرى مرتبطة بصلب الموضوع، يستحيل ذكرها كلها، و أترك للقارئ اكتشاف
النهاية التي من المؤكد لم يتخيلها، في رأيي ستدهشه و تترك فيه ذلك الأثر الرائع .
أسلوب الرواية اتسم بالاقتصاد في اللغة و بالبساطة في السرد القصصي دون اللجوء إلى كلمات غريبة
أو معقدة هذا ما جعل فيها تلك السلاسة و السهولة و المتعة أثناء قراءتها، بحيث يصعب على القارئ
تركها إلى أن يفرغ منها، ربما سيفكر في إعادة قراءتها بعد فترة معينة، ليعيش من جديد تلك اللحظات
الممتعة التي تثير الشعور بالإيجاب تارة و بالسلب تارة أخرى حسب الحدث الذي ترويه الروائية التي
عرفت كيف تجذب القارئ إلي روايتها، و تغذي فكره بمعلومات ربما لم يكن مطلع عليها، كما اشتملت
الرواية على مقاطع حوارية عديدة استعملتها الروائية، لتتمكن من تحليل بعض أفكار و مشاعر أبطالها
ربما من الصعب سردها، و لا نجد في الرواية إلا بعض الصور البيانية التي لم تتعمدها الكاتبة، في رأيي
أتت بطريقة عفوية أثناء السرد، و ذلك لانشغالها الكبير بسرد الأحداث و طرح الأفكار و ايصال الرسالة
للقارئ.
----


غريبي بوعلام / الجزائر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.