أعلان الهيدر

السبت، 17 أغسطس 2019

" ذات شتاء "

محمود حمدون


أقف بين عمالقة , أجاورهم وأزاحمهم رصيف يتسع على مد البصر , بينما تغدو السيارات وتذهب. أنتظر معهم , أراهم من أسفل تدور أعينهم بحثًا عن شيء يعرفونه وأجهله , لكنّي بوازع داخلي أثق فيهم ولما لا! فهم يكبرونني عُمرًا ولا ريب يدركون ما لا أدري من الحياة وغوامضها , كتفًا بكتف كنت أقف بجوار أحدهم وأقسم أني أعرفه حق المعرفة لكن يعجز اللسان عن البوح باسمه ليس بدافع خوف , بقدر الحفاظ على السر , ذاك العهد الذي تعاهدته معه منذ عشرات السنين , فقد التقاني ذات صباح شتاء , قرأني السلام ثم سألني : أتكتم السر؟

قبيل أن أنطق عاجلني بعبارة واحدة ثم تركني وانصرف : حسنًا حينما نلتقي بعد أربعين سنة , تجاهلني , كأنك لم ترني من قبل , ثم عليك بالتثاقل .

قلت : ماذا تعني ؟

ربت على كتفي وقال : أن تعرف وتصمت , أن تفرح بداخلك بينما حزن عميق يعتصر عينيك من الخارج اعتصارًا, ألاّ يراك الناس أبدًا بينما تنطلق بين أوديتهم وشعابهم حتى يضيقون بك ذرعًا .

قلت: لكن ... جملة بُترت باختفائه فجأة , حتى لقيته على الرصيف في الموعد المنتظر ونظرة رخامية الملمس تغور عنها الحياة مرتسمة على وجهي ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.