أعلان الهيدر

الأحد، 4 أغسطس 2019

" عين الشمس "

محمود حمدون




تقترب الساعة من الثانية مساءً, تتشبث الشمس بكبد السماء كأنما تأبى المغادرة , ترسل فحيحها على رؤوس العباد , فلا ترى إلاّ هرولة في الشوارع , قرع النعال يعلو على نفير السيارات , منظر مألوف في أيام " أغسطس " حر لا ينفع معه شيء , تضجر فيه الأنفس وتطيب له بعض فاكهة الصيف .
عدا " خليل " ذلك الرجل الهارب من الماضي بمعطفه الأزرق الثقيل , حذائه العسكري الذي يقترب من قصبة ساقه , أجده دائمًا يسير بنهر الطريق , يده اليسرى بجيب معطفه واليمنى تحمل " مظلّة " مقطّعة الأوصال , غير أن أشرعتها ممتدة بكل إتجاه , يسير بيننا بخُيلاء وترتسم على مٌحيّاه شبح ابتسامة , حادثته بيوم : الجو شديد الحرارة , كيف تتحمّل تلك الملابس الثقيلة ؟ علام تلك " المظلة " التي تحملها أجزم أنها لا تقيك صهد الشمس ولا غائلة الشتاء ؟ أليس من الأفضل لمن في مثل سنك أن يسير مستظلًّا بالحوائط وشرفات المنازل؟ هذا قيظ يصرع أولوا العزم من الرجال فكيف بك أنت ؟
كان " خليل " يستمع إليّ , يهز رأسه ولست أدري أموافقة لقولي أم سخرية من حديثي معه! أعدت عليه كلامي بنبرة لا تخلو من تحذير وشفقة عليه , مرّة تَلتها أخرى , فكان يُنصت بإصغاء شديد , وأنا أنظره بعين وأخرى للسماء أرقب " الشمس " التي ركبها عناد غريب منعها الرحيل لآخرتها .
قلت له يائسًا بنهاية لقائنا : أستاذ خليل , أخشى عليك معاندة الفصول فالطبيعة لا ترحم مخلوق يناطحها .. لا زلت أذكر ردّه المقتضب: صدقت فالطقس اليوم شديد الحرارة , ثم أخذ نفسًا عميقًا وأفرد " مظلته " العتيقة ورفعها , وغادرني وهو يدندن بأغنية مشهورة " قولوا لعين الشمس "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.