أعلان الهيدر

الأحد، 14 يوليو 2019

الرئيسية الطاولة الضيقة ...

الطاولة الضيقة ...

محمد محجوبي 



الصباح كان لا يزال منتفضا في فم الضباب يقضم وصايا صيف يتوكأ على عجيج الهتاف . المقهى مسجونة الصباح مثل حمامة حاصرها الدخان . بينما صديقي يخرج من منسياتنا على محظيات العمر . عندما تتقطب حاجباه يصرخ بعينيه الغائرتين في ارتجاج توقعه بحة الزمان . تارة يوقظ حاسة الاستشعار ليقبض على متفرقات الفصول . وتارة أخرى يومض في حلم وهو ليس بحلم شبيه بمسلك زراعي تتربص به مقابر منتهية الشوك. بينما تظل الطاولة الضيقة على مسافة النكوص تتألم من سحنات جنود قدماء يجلسون بقرب فراغهم يحتمون بذكرياتهم التي أنهكها التاريخ . في الجهة الخلفية لا ترى تلك الطاولة الضيقة موضع الصباح من فتية كهف يتناسلون في شعاع خائف يجرهم اليه خفق الطين الذي جرحه بحر كفيف . الطاولة الضيقة تلتصق بعالمها الصارخ . الضجيج يعاود دخانه . الناذل يتوزع بين أروقة تئن . المقهى يريد عالما ثالثا أو رابعا بينما الطاولة الضيقة تمنجل عالم السؤال . قبل الكثافة رأيت بصيص صديقي يتوسل أوراق الغربة بعد الكثافة المتهالكة لم أجد سوى أصابعه المصفرة تكثف الموعد الجاثم علينا . نزر التنفس يتصعد من لهف صيفي . الطاولة الضيقة تتمكن من قهوتنا المكفهرة التوسل نلامسها بشفاه جامحة الجفاف . الصباح لا يريد للطاولة انتشارا . الشارع يلفق ايقاعا على واجهات هجرها أصحابها من شدة الانتظار .
دقت ساعة الحوار لكي تتلصص الطاولة الضيقة ضيقنا في خضوع لبعض عيون متيسرة حمرتها الكثيفة . كنت أنا وصديقي نترك للطاولة عيونها تتلون في سديم . حتى ننبش حصى القلب بانتظام نكراتنا المغتربة . فجأة لاح لمعان عينيه فرحت قليلا . وعند القرب وجدته لمعان بكاء يروي نخيل الحلم المخنوق . المقهى عالمنا كان . لولا أن صديقي أفاض من حيث يفيض الأشباح في صيف يتخندق بين جبال الصمت .


محمد محجوبي
الجزائر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.