أعلان الهيدر

الأربعاء، 17 أبريل 2019

الرئيسية " حسابات اكتوارية "

" حسابات اكتوارية "




محمود حمدون


بصحبة آخرين ذهبت إليه , بادرته بالكلام : لا أجد حرجاً أن أعترف بفضلك الكبير عليّ , حقيقة أدركها منذ قديم , كما أن سعة صدرك تزيد من دهشتي و حرجي , فكيف تصبر على حديثي المتكرر معك ؟ تستقبلني أينما أتيتك , بموعد أو فجأة , كثير ما عرجت إليك دون ترتيب , أغبط قدرتك على الانصات و هدوءك الشديد , تحكّمك في أعصابك فلم أرك يوماً عالي الصوت فبينك و بين النزق بوناً شاسعاً , فكيف أصبحت هكذا ؟! أخشى أن تفهم كلامي حسداً , الحق ساورني شك منذ فترة أن اعجابي بك تحوّل لحقد دفين , إذ كيف تمتلك رجاحة العقل هذه بينما يرفل من حولك في خبل ؟ كيف تنطلق بطريقك لا تحيد عنه رغم صعوبات كالجبال و عوائق توُضع أمامك عمداً؟

أي ترتيبات و حسابات تُجريها ؟ و متى و أين ؟ لا أخفيك سراً , فقد تتبّعتك و بعض نفر من الأقران , فترة من الزمن , أحصينا عليك أنفاسك, راقبنا بيتك ليل نهار , فتّشنا في أدراج مكتبك , حتى فنجان قهوتك و بقاياه التي تتركها , نبحث فيها ,نقلّب بين جدرانه بعدما تغادر مكانك بالمقهى , رشونا النادل و أغريناه حتى مالت رأسه إلينا , لقد ساعدنا في وضع أداة تنصّت تحت طاولتك , لا تسجل الحديث إذ نعي أن صمتك هو لغتك الأساسية , لكن تسجل نبضات قلبك , هدير الدم في شرايينك , ارتفاع حرارة جسدك عندما تمر أمام ناظريك فكرة جديدة أو ذكرى قديمة تهُبّ على بالك , أسابيع نقوم بتفريغ كل التسجيلات ثم العكوف عليها لدراستها بغير جدوى.

لكنك أضحيت لُغزاً يستعصي على الحل , نراك واضحاً شفافاً , من فرط وضوحك تُصبح حجراً أسوداً ,نتبرّك به , ندعو السماء أن تفكً كربنا , تزيل غُمتنا , كلما اقتربنا , ازداد بُعدنا عن الحقيقة , فما غموضك هذا ؟ كيف ارتضيت أن تتلاعب بنا هكذا ؟ أتلك إنسانية أن تُشعرنا بدونيتنا جوارك ؟ فماذا فعلت ؟ ماذا فعلنا نحن ؟

كان يمضغ الصمت بين أسنانه , يلوك الهواء , ينظر إلى الفرا غ بعمق , زادنا ردّه السلبي حنقاً عليه , فرجوناه أن يجيبنا بعبارة مقتضبة تبلُّ ريقنا , أقسمنا له أننا بعدها سنمضي بلاعودة , فقال بصوت يأتي من بئر عميقة : تلك حسابات اكتوارية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.