رحو شرقي
يا سيدي : أُدعى "سناء"
مرحبا ومعك "سليم " وما حاجتك ؟
رأيتك بالقرب من ذلك الضريح فعلمت أمرا جلّل .
يا " سناء " : ضعاف الأنفس يروا رذائل الأقوياء فضائل ، فيزاد الأقوياء قوة على قوة والحقراء ضعفا مستبيد ...
عندما تضمحل الابتسامة في كهوف الحزن الباهتة بين مدافن الثرى ،وزوايانا تملؤها أنوال العناكب ، تختفي الحقيقة وراءها مجلّل البياض ...
ـ يا " سليم " رأيتك تبحث عنى في سؤالك .
ـ صدقت والله
- رأيت فيك حكاية الأحزان ، فاليتم يرمي صاحبه لباس السواد . - يا سليم : وأنا في عمر الزهور ، طفلة أتباهى بخُصلات شَعري وحركاتي الخفيفة قد خلت حياتي من التجارب ، توفت أمي على إثري مرض عضال .
وما لبثنا الأربعين يوما ، تعجل أبي على الزواج ...
وبعد شهور علمت معنى كلمة زوجة الأب ، التي حولت بيتنا إلى سجن لم يكن ينقصه إلا الزنزانات ...
وعادت فيه كالسجان ، وأبي في كفها كالسيف على رقابنا .. فالعقاب قد يكون كلمة ، مداها اشد وقعا من السياط . وقد خلا لها وجه أبينا ، وبالغت في إسراف سعادتها وإظهارها للوافدين من أقربائها ...كما ذبلت أوراق أبي ، وانهار قوامه ولم يعد ذلك الرجل الآمر الناهي الذي يملأ البيت فرحا وهيبة ...
أما هي كالظمآن الذي لا يروي عطشه الأنهار ..وعدت حيالها كالداء الذي تفكر في الخلاص منه .. حتى أبي لم يقوَ على الحركة واستفحل المرض بريب المنون . وأظهرت في نفسها أمرا يعقوب ...
ولو كان الأمر بيدي لعارضت هذا الزواج ...ولما ؟..
وهل يبدو لك الأمر عاديا ، في هذه الزيجة من رجل بشابة في سن ابنته ؟؟ فالحكمة لا تحتاج إلى نواميس ، فهذا الزواج يا "سليم " بمثابة لعبة الغنيمة ...
وأصبح أبي لا يستمع إليّ مذ دخولها إلى بيتنا ، فغطت سمعه بالريب ، بل أصبح لا يطيقني!.
فهناك من يعين الدهر في صروفه ونوباته ، كما يعين الصبر الباحث في مخبره .
ونكفر الحقيقة ونعلم ظهورها ... وحتى القدر ! ..
فحلول مصيبة عند أخلائهم يرونها ابتلاء ، وعند الآخرين تنعت بالعقاب ..
لقد ورثت من أمي الحنين والجمال ومن أبي العز والمال .
أما زوجة أبي لم تهديني إلا الحزن كالجبال ،حتى عاد بيني وبين أبي ذلك الرابط الوثيق ، كالنهر العذب الذي يصب في البحر المالح .. وما أصعب أن تعيش مغتربا وأهلك بالجوار! ...
يتبع
بقلم رحو شرقي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق