أعلان الهيدر

السبت، 2 يونيو 2018

" نارسيس "


محمود حمدون


ربما لم تكن أسطورة " نارسيس " من وحي الخيال , فعندما رأيت " عبده " منذ أيام , لم أجد اختلافا كبيرا , التقيت بطلا جديدا للأسطورة القديمة التي كنت أتندّر منها . عرفته مختالاً بنفسه , واثق الخطوة , تجسدّت فيه معاني الذكاء, الطموح.
لعله الوحيد بين جيلنا الذي أتقن أكثر من لغة , مع سعة إطلاع كنّا نحسده عليها وتُشعرنا بضآلتنا بجواره .
سعينا إلى الاقتراب منه , في وقت كان هو أكثرنا حرصا على النأي بنفسه بعيدا , حافظ على مسافة لا تزيد و لا تنقص, حديثه دائما يتدفق من أعلى لأسفل , حديث العبقري بين ثٌلّة من سُذّج لا حول لهم و لا قوة .وقر بنفوس بعضنا أن غُبنا أحاط بهم , عدالة غابت عنهم , فاستسلموا لقدرهم يطحنون تحت أضراسهم خيبة الأمل و قلّة البخت .
رأيته اليوم بشارع " البوسطة " حافي القدمين , تنسدل لحيته , شعر رأسه بكثافة غريبة , رث الثياب , يهذي بعبارات مبهمة , عرفني هو , فأقبل يسلّم بأطراف أصابعه , بقايا خُيلاء واضحة بعينيه .
سألني : ما أخبارك ؟ ما فعلت الحياة بك ؟ أين أنت الآن ؟
صمتّ كعادتي حينما أعجز عن الرد أو يكون الموقف مفاجئاً , أطرقت برأسي , لذت بالعبارة التقليدية " الحمد لله , تمام " و أنت ؟!
تجاهل سؤالي , ربت على كتفي بيده اليسرى ويمناه تعبث بجيب بنطلونه الذي لا يتجاوز قصبة ساقيه طولاً , قال : ساءني كثيراً أن بعض الزملاء لم يحالفهم التوفيق في حياتهم , أرقبكم و أتتبع أخباركم , ثم نظر في عيني عميقاً , مط شفتيه و لعابه ينحدر ببطء على ذقنه, ,قال: اجتهد يا عزيزي, فحقا لكل مجتهد نصيب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.