بقلم:سعاد الزامك
30/01/2017
بنظرة خاطفة لاسم أية مجموعة قصصية نبدأ بالتفكر و تأمل الاسم من أجل الوصول إلى ماهية المجموعة ، فالاسم لابد أن يجمع شتات القصص ، و يعبر عن مكنونها إذا نجح الكاتب في اختياره . في تلك المجموعة اختارت الكاتبة عبير العطار اسم( تجاعيد زمن ) ، التجاعيد التي يبغضها الجميع رجلاً كان أم أنثى ، و التي تنشأ عن مرور السنوات بحلوها و مرها مصحوبة بالمشيب ، و الزمن ما هو سوى تلك السنوات المتراكمة و المتراكبة التي تطوف بنا في عوالم الخير و الشر معا و لا حيلة لنا في أقداره .
فلماذا لم تطلق الكاتبة اسم تجاعيد الزمن على مجموعتها بل فضلت أن تُنَكِر الاسم ؟ من خلال قراءة ما بين السطور نجد أنها نجحت في تعميم تلك التجارب فلم تحددها بزمن معين حيث أنها تحدث منذ قديم الأزل و لكل البشر ، و بذلك قد نجحت في اختيار الاسم لمجموعتها .
بدأت الكاتبة عبير العطار مجموعتها القصصية بقصة (زهايمر) و كأنما أرادت أن تمحو تلك التجاعيد الكئيبة ، و تزيل غبار زمن عن حياة قرأتها في عيون شتى . أراها بداية موفقة جدا و مقصودة من كاتبة تمتلك مفرداتها الخاصة و تراكيبها المعقدة تارة و بسيطة تارة أخرى .
ولجت بنا الكاتبة دهاليزا ً عديدة من خلال أسماء القصص ، حيث تأرجحت ما بين حياة و موت .. ذكرى و نسيان .. هجرة و وصول .. انتقام و وفاء و غيرها من مشاهد الحياة . ربما شاءت أن تدفع المُتلقي ليقرأ ذاته ، بل و تدفعه دفعاً كي يقارن بين لقطاتها التصويرية و مشاهد واقعه ، فيتجاذب مع بعضها و تلفظه أخريات .
على سبيل المثال في قصة ( خيانة متبادلة ) ص١٧ حين كتبت عن تبادل الخيانة ، و قد اتبع الخائن نفس طقوسه التي تعلمها جيداً مع الأخرى ( نفس الكلمات .. مكان اللقاء .. أسلوب مراودته عن القيم ) ، لا أظن أن المتلقي سيشعر بالاشمئزاز من فكرة تبادل الخيانة بقدر ما سينتابه من اعجاب بدرس لقنته البطلة للحبيب عندما خانها مع صديقتها المقربة . عندئذ تضرب القارئ الحيرة ، أيصفق لسرد سلس في ثوب أنيق أم يلعن الخائن الذي دفع من ائتمنته على قلبها للانتقام بنفس اسلوبه و إن تمنعت على الآخر من قبل ، فتهطل الحيرة على مقلتيه الشاردتين في ابتسامتها الماكرة .
أما في أقصوصة ( وجه الحق ) ص١٩ و هي التالية مباشرة ( لخيانة متبادلة ) بالمجموعة حَمَّلتها بمعاني كثيرة برغم قلة كلماتها و قد طمست وجه البطلة التي صارت تبحث عن وجه يلائم ما تُعانيه من نفاق مُتفشي بمجتمعها .
عند المقارنة بين القصتين نرى تنافر بين البطلتين ، فالأولى حزمت أمرها أما الثانية فما زالت حائرة ما بين قيم دُمرت و بين مبادئها . ذلك التنافر ليس عن قوة شكيمة الأولى و ضعف الأخرى ، لكنه ناجم عن تملك الارادة الكاملة و شموخ الشيم . ففي كلتا الحالتين قد حسمت البطلة موقفها الأخلاقي من حيث التمسك بالقيم و الصدق مع الذات . عندئذ يفرض سؤال هام نفسه على المتلقي .. هل ستنجح كلتاهما في مهمتها أم ترسب مبادئهما في سوق نخاسة الأخلاق المتفشية في عصرنا الحالي ؟
مما سبق نصل إلى نجاح الكاتبة عبير العطار في محو تجاعيد زمن مارقة بأسلوبها الرشيق ، و بكلماتها المخملية ذات العبق الأنثوي الطاغي بعدما هامت بنا في كوامن الذات البشرية ، فاستبقت اللحظات الخفية ، و قدت صدر الواقع ، لتكشف عن ساق أسراره ، إذ خلعت نعليَّ الصمت في وادي البوح المقدس ، و لا يسع القارئ و بخاصة المرأة سوى أن يرفع القبعة فخراً بكاتبة تمتلك لغتها السردية الخاصة .
في نهاية قراءتي المتواضعة للمجموعة القصصية ( تجاعيد زمن ) أُحيّ شقيقة الروح الكاتبة عبير العطار على مجموعتها التي جَمّلتها بسردها الساحر الأخاذ و بألوان الحروف الأثيرية ، و في انتظار المزيد من ابداعاتها بإذن الله .
سعاد الزامك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق