أعلان الهيدر

الجمعة، 8 سبتمبر 2017

أيكة العاشق

بقلم:سعاد الزامك

اعترضت طريقه حافلة عامرة بأنواع شتى من البشر ، أطلق سائقها النفير المزمجر معلنا سقوط بائس أمام سيارته ، ارتطمت رأسه بحافة الرصيف رطمة شديدة ، طوقته جموع المارة . نظرات الرأفة تطوق جراحه المراقة على سواد الطريق ، أكف تتجه للسماء و أخرى تمنع الاقتراب من الجسد المسجى . عواء قادم من الأفق البعيد ، أضواء حمراء تعتلي القادم الأبيض بتموهاتها و تأوهات النفير ، حملته وحيدا لمصيره .
ضائع لا مأوي له ، يتجول غير عابئ بما يدور حوله ، كل ما يعنيه هو معرفة ماهية تلك الأصوات التي تطرق على أبواب ذاكرته كمطرقة فولاذية تأبى الانصياع لحاله . أصوات من حوله تقرع بمعاني مبهمة في رأسه ، نغمات متواترة تغزو شرايينه ، مد و جزر لمشاهد لا يتذكر عنها شيئا ، مكان واحد يتكرر مشوشا . أطياف تتراقص أمام مخيلته ، بدأت تنجلي بوضوح مشاهد حبيبة افتقدها منذ سنوات عدة . ستائر مخملية حمراء ، صفوف من العازفين يتأبط كل منهم آلته الموسيقية ، جمهور عريض ينتظر العرض ، انحناءة رقيقة لتحية الجمهور بعد الانتهاء من العزف ، إسدال الستار على التصفيق اعجابا بمقطوعته الفريدة في عالم الفن كما صنفوها فيما بعد .
كم افتقد أيكته الحبيبة ، نهض من مرقده و قد تحرر من آلام فتكت بجسده حتى النخاع ، اتجه صوب غايته . ها هو أخيرا يقبض على أوتار محبوبته ، دلف إلى قاعة المسرح ، بدأ في العزف ، فزع الجالسون لسماع تلك المعزوفة لعازف غير مرءٍ ، تسابق الجميع يشق صدورهم الفزع ، ناء كل منهم بإحدى الاتجاهات الأربع للقاعة ناشداً الفرار من خرف الهذيان ، تلاشى طيفه في الأفق عائدا مكظوما .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.