أعلان الهيدر

الأحد، 16 مايو 2021

الرئيسية قراءة في كتاب (معركة التنوير) للكاتب الروائي أمين الزاوي .

قراءة في كتاب (معركة التنوير) للكاتب الروائي أمين الزاوي .

غريبي بوعلام



كتاب متوسط الحجم، مِن مئة و خمسين صفحة، يحتوي على مجموعة من مقالات تسلط الضوء على قضايا التنوير في العالم العربي الإسلامي، الذي تسوده موجة قاتمة من الظلامية التي تحجب عنه أنوار الفكر النهضوي، الذي حاول و يحاول ازاحة غيوم الظلامية المحشوة بجهل مغلف بهالة من القداسة البراقة، اجتهد الكاتب في تعرية تلك الظلامية و اظهار مدى هشاشتها في مجابهة تلك الأنور الفكرية العقلانية، لهذا لم تجد إلا ذلك الرد المتسم بكثير من العنف المعنوي، من سب و شم و قذف و تكفير، مع ذلك نجد عند الكاتب ذلك التحدي الكبير و الجرأة الكبيرة في طرح تلك المواضيع الفكرية الحساسة، بكل موضوعية و عقلانية، و نقد تلك العقليات الجامدة التي ترى مستقبلها في ماضيها البعيد، و ترفض الحداثة في أبسط معانيها باسم التمسك بالسلف الصالح بكل ما يحتويه من عيوب و أخطاء دون أن تمرره في غربال العقل و العقلانية، لأن في نظرهم ذلك التراث شديد القرب من نبع النبوة، فيه قداسة كالتي يحتويها النص المنزّل، و ما علينا الآن إلا الأخذ به كما هو بحذافيره لنشيد نهضتنا دون نقد و لا تمحيص.


خاطب الكاتب فكر القارئ بتحليل عقلاني، محاولا اقناعه بأفكاره التجديدية، حاول تهديم تلك الأصنام الداخلية و نسفها من أعماقه، بدعوته إلى التفكير معه و في ما يكتب و يطرحه من أراء، بطرح السؤال و اعادة طرحه في ثنايا المقال، و جعله كعنوان له، للفت انتباه القارئ و اثارة فكره و تقليب الفكرة المطروحة على كل أوجهها، و تسليط الضوء من كل جوانبها، و اظهار الزوايا الخفية التي ربما لم تخطر ببال القارئ، نلمس جهد الكاتب في اقناعه بكل ما أوتي من قوة الحجة و البيان الساطع و البرهان المقنع، دون الضغط عليه أو فرض رأيه، محاولا تبسيط الفكرة و تحليلها بأدواته التفكيكية، لهذا في رأيي هذا الكتاب موجه لعامة القراء و لكل عشّاق القراءة، ليس فقط لأصحاب الاختصاص الجامعي الأكاديمي، هدف الكاتب محاولة اقناع القارئ و خلق في أعماقه تلك المساءلة و الفكر النقدي و برمجة عقله على ذلك النوع من التفكير الراقي، الذي يحاول ايجاد الحلول و الدواء لداء الجهل المقدس المستفحل في جسد الأمة العربية الإسلامية، أفلح الكاتب في خلق تلك الدهشة الجميلة في أعماق القارئ، جعله يواصل القراءة بشغف، كأنه يستكشف المجهول أو في سياحة عقلية، و يزيح النقاب عن عتمة الغموض، يحلق به في ذلك السمو الراقي و الأفق البعيد لتتضح المزيد من الرؤية و تنقشع تلك الضبابية التي تحجب قناديل الأنوار.
أفكار تحاول استفزاز ذلك الركود الراكد، تهزه بشدة عسى أن يسقط منه ذلك السبات العميق، و تبعثه من جديد من نومة أهل الكهف الطويلة.
الناس كلهم سواسية كأسنان المشط رغم اختلاف مشاربهم الدينية ( مسلم ، مسيحي ، يهودي أو أي ديانة أخرى ) كلهم سواسية أمام قانون تلك الدولة التي تأخذ بعين الاعتبار انسانية الانسان بغض النظر عن المعتقد الديني الذي يبقى علاقة سرية بن الانسان و خالقه، دولة لا تخلط بين المقدس و السياسي، تدعوا إلى الفصل بينهما، هي الطريقة المثلى للحفاظ على الدين بصفة عام من الاستغلال البشع له، و غلق الطريق أمام من يدعي أنه ظل الله فوق الأرض، بالتالي له مطلق الحرية في التصرف في رقاب البشر لأن له تفويض السماء، و قَبول مفتوح من الأرض.
ابن باديس أثنى على اصلاحات مصطفى كمال أتاتورك الذي أسقط الخلافة الإسلامية سنة 1924، كان هناك بعض اليهود كانوا مع الثورة الجزائرية، ساندوها و رفضوا الهجرة إلى اسرائيل، لهذا وجب التفرقة بين اليهودي و الصهيوني، هناك أقلام أدبية راقية من الجزائر أصلهم يهود يعشقون الجزائر إلى النخاع مع الأسف تم تهميشهم، ذنبهم الوحيد أن نسلهم من اليهود الذين نزحوا إلى شمال افريقيا بعد سقوط غرناطة و تحت ضغوط محاكم التفتيش.
أفكار حاولت رسم المرأة الجديدة، بعيدة كل البُعد عن مخالب رجال الدين التي ترى فيها نصف انسان، فيها كل عيوب الدنيا، لا ترى فيها إلا جسدا لمتعة الذكورة الطاغية و تفريخ أجسادا أخرى و تكفينها بحجاب الجهل و اسدال نقاب الخرافة على البصيرة، و الادعاء أن هذا الأمر من وحي السماء.
أفكار حاولت سحب بِساط التربية جنسية من سيطرة رجال الدين، و جعلها بين أيدي ذوي الاختصاص و الدراية بذلك العلم الذي لم يكن موجودا عند السلف القديم، أفكار حاولت تغيير نظرتنا للجنس، و الدعوة إلى تدريسه في المدارس بأسلوب علمي و طريقة بيداغوجية على حسب المستوى و الطور العلمي، و الهدف منه، حل مشكلة الكبت الجنسي و كسر طابو الجنس الذي يحرّم التلميح أو الحديث في الأمور الجنسية، و محاربة التحرش الجنسي الذي من أسبابه نظرة رجال الدين التي غرسوها من زمن طويل من أجيال بعيدة، لا يوجد في تحليل الكاتب دعوة للإباحية كما يظن البعض.
من الناحية السياسية الدعوة صريحة لإبعاد رجال الدين عن السياسة، لأن الحُكام يستغلون هؤلاء لضرب و تركيع الشعوب و غرس فيهم فكرة القدر، القدر الذي يوجب طاعة الحاكم الدكتاتور و جعل طاعته من طاعة الله الخالق، و عدم الخروج عليه و ان جلد ظهرك و أخذ مالك و رأيته يزني و يلوط و و و، و مقابل ذلك يكون لرجال الدين ذلك القُرب القريب من عسل السلطة الفاسدة، و الانغماس فيه إلى رقابهم، هكذا تكون الفتوى جاهزة للحاكم لضرب رقاب المعارضة و أصحاب الأفكار النيّرة، التي تدعوا إلى الحرية و التحرر من ظلامية هؤلاء القياصرة، و الأمثلة كثيرة في التراث المقدس و عصرنا الحالي، كمثال المفكر المصري ( فرج فودة ) الذي تم اغتياله، و النخبة الجزائرية المثقفة التي تم تصفيتها جسديا تحت غطاء العشرية السوداء، في الأخير تم الصفح و العفو عن هؤلاء القتلة و منحهم أموال طائلة، كما تعرّض الأستاذ أمين الزاوي لضغوط شديدة من هؤلاء المتطرفين بسبب أفكاره التنويرية التي مازال ثابت عليها إلى الان، هذه الأفكار التي نجدها مبثوثة في أعماله الروائية خاصة روايته الأخيرة ( نيرفانا NIRVANA ) .
كان لميلاد حركة الإخوان المسلمين سنة 1928 الأثر الكبير في عرقلة النهضة العربية التي انطلقت في أواخر القرن ا التاسع عشر، و محاولة اجهاضها في مهدها، هذه الحركة التي أرادت أن ترث الخلافة الإسلامية العثمانية التي سقطت سنة 1924، حركة عرفت كيف تثبّت نفسها حينها في مصر رغم صراعها الشديد مع السلطة، حركة عرفت كيف تنتشر كالنار في الهشيم في الدول العربية و تنشر فكرها التكفيري، و التغلغل في الغرب خاصة في أوروبا .
هذا عرض مبسط لبعض أفكار الكتاب، عساها تفتح شهية القارئ للقراءة و مناقشتها مع الكاتب خاصة مَن يختلف معه في الرؤية و وجهة النظر.


غريبي بوعلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.