أعلان الهيدر

الجمعة، 26 يونيو 2020

الرئيسية قصة قصيرة / يوم في زمن كورونا

قصة قصيرة / يوم في زمن كورونا

حفيظة العناوي




في ظل الحجر الصحي وفي ظل غيوم كورونا السوداء التي خيمت على كل شموس العالم . كان لابد من أن أخرج اليوم للضرورة القصوى . اني مواطنة صالحة، أ حترم جدا كل التعليمات الخاصة بالوقايةضد كوفيد 19 ب. أول ما فكرت فيه هو أن احمل معي ورقة الإذن بالخروج والكمامة والمعقم. انا مرعوبة من هذا الوباء !!لأنهم يقولون بأن كورونا تتربص أكثر بالمسنين وبالأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة.
سوق الحي على بعد بضعة مترات. وانا في الطريقي المؤديةاليه احسست وكأني اقطع أميالا وأميالا. كلما وطأت قدامي الأرض انتابني هلع و رعب يكاد يخطف قلبي من جوفي. في كل خطوة كأنها خارج الزمن! تراودني المخاوف و التساؤلات هل سيلتصق الفيروس اللعين بحذائي ؟ هل كوفيد19 يلاحقني ويبحث عن ثغرة صغيرة بحجم ثقب ابرةحتىى يخترق حلقي ومن تم صدري فيخترقني ؟. لم أستفق من رعبي إلا أمام بائع الخضروقد تحلق حوله العشرات من الزبائن. الظاهر أنني ابالغ في خوفي. نظرات البائع وكل الواقفين هادئة. وحدي انا متوثرة، لابد من انهم شعروا بتوثري وها هم الآن وفي قرارة أنفسهم يسخرون مني!! . عيناي المتوجستان مثلي قامتا وبخفة رشيقة بقياس المسافة القانونية بيني وبينهم للوقاية ليس الا... لا مفر . .انا جد محظوظة هذا اليوم فقدوقفت وراء شابة أنيقة. صحيح انها تشبهني لانهااتخذت كل الاحتياطات الوقائية اللازمة! لكنها لا تشبهني في رعبي وخوفي! انها هادئة تماما والأكثر من هذا فقد طبعت محياها ابتسامة تمنح طاقة إيجابية لكل من تطلع إليها عمدا أو خلسة. فجأة، وبدون استئذان تسلل بسر عة كالبرق! وقف أمامي،اختار الفجوة التي بيني وبين الفتاة ! شاب وسيم لايضع كمامة، لا أدري!! هل انتهز فرصة تطبيقنا لقانون الوقاية ضد الوباء وجاء ليتهكم علينا؟ أم أنه لايعلم اننا في زمن كورونا. ؟أو أنه كغيره لايصدق خطر كورونا . انه مسكون لا شك ببطولات الشباب العنترية. بدا واثقامن نفسه. وشرع في استفزاز الجميع بتصرفاته الغريبة.. ثارة يسعل واخرى يعطس. أحسست وكأن أحدا سلطه علي .!! قلت في نفسي:لن أجيبك.... لست خائفة منك... ، إنني خائفةمن ان يتسرب الي كوفيد 19 وتحدث الكارثة. ماذا لو كان هذا الشاب مصابا بكورونا وهو لايعلم؟؟!! . مرة أخرى بعيني المتوجستين المتيقظتين كجندية في ساحة المعركة. رجعت خطوة إلى الوراء.. طبعا لا بد أن أكون حذرة جدا جدا. . كنت كريمة هذا اليوم تركته يقتني مايريد دون انظر اليه أو انبس بكلمة أو حركة. وقفت جامدة كالصخرة في مكاني الجديد اتجرع مرارة ظلم هذا الكائن البشرى؟! .حان دوري لأقتني الخضر والفواكه. وقفت مشدوهة ولم استطع أن أمد يدي والمسها لأختار الأجود منها!. كانت تلك عادتي! وكنت أجد في عملية اختيار الخضر والفواكه واقتناء الأجود منها انتصارا و نشوة خاصة كغيري من النساء. تراءت لي كورونا اللعينةفي كل شيئ، اجتاحني ذعر مهول وانتصبت_ َكالصنم المتصدع الذي يوشك ان ينهار _ أمام البائع الذي صرخ في وجهي . فهمت توثره وتوثري! أشرت له باصبعي المرتعشتين بأن يتكلف بهذه العملية نيابة عني.استغرب من تصرفي كأنه هو الآخر لا يؤمن بقصة كورونا خاصة انه يعرفني ويعرف عشقي لاختيار اجود ما في الخضر والفواكه. حملت قفتي وطفقت عائدة إلى البيت.عشت نفس المعاناةفي رحلة العودة إلى البيت الذي يبعد عن السوق ببضعة أمتار . أسائل خطواتي من وراء الكمامة عن الأحوال عن كورونا؟ تارة اشفق على حذائي المسكين و أخرى احيي نضاله بعدم التوقف واستمراره بشجاعةوبسالة في قطع مسافة العودة إلى البيت . فتحت الباب بسرعة ثم هرعت إلى المعقم. تذكرت ان كورونا يمكن أن تتسرب الى حذائي. وتختبئ فيه. فقلت بصوت عال كاد يسمعه الجيران اعلم بأنك أكبر الجبناء يا كوفيد19. والغدر من شيمك. لذلك نزعت الحذاء وتركته في حديقتي الصغيرةوراء الباب بعد ما عقمته.وقلت بصوت عال مرة اخرى: لن تهزمني يا كوفيد19فانا اعرفك..نعم اعرفك جيدا! ألا يقولون في الكتب ان اول شيئ يجب أن تفعله للانتصار على عدوك هو أن تعرفه.؟ .هرعت إلى المطبخ كمن به مس اتعثر في خطواتي. رميت الخضر والفواكه وملأت بسرعة كالبرق ايناء كبيرا بالماءالبارد. أضفت اليه بعض القطرات من ماء جافيل. وتركته 7 دقائق لكي لا تتطور البكتيريا الضارة. وضعت الكل في مكان بعيد عن الشمس حتى تجف الخضر والفواكه على مهل. بين المعقم والشيح والزعتر والخزامى تذكرت صورة عطار الحي. لم اسخر من مطبخي بل كانت الأعشاب ضمن العدةو العتاد لمواجهة العدو. احترت في خطتي الاحترازية لهذا اليوم؟ . وبعد تفكير قصير تجلت لي الخطة بوضوح تام . علي في البداية وبسرعة ان اخذ حماما ولابد ان يكون الصابون مضادا للباكتريا، ثم نمر بعد ذلك الى تنظيف البيت بماء جافيل . استغرقت هذه العملية ساعة.شعرت بعدها بارتياح كبير سرعان ما تبدد.... إذ تملكني الرعب من جديد وتخيلت ان كورونا تبحث عن أي منفذ لتتربص بي رغم أنها ميتةوبدون عيون. صرخت هذه المرة ولم اعبأ بمن سيسمعني من الجيران:قوتك يا كوفيد 19، يا كورونا! يا مباءة القرن انك غير مرئية.لكن قوتي انا تكمن في كوني كائنا حيا انا الإنسان وانت مجرد فيروس منهزم لا محالة.
. ماذا يضير الان إن عطرت البيت ببعض الزيوت الطيارة. اخترت لهذا اليوم الزعتروالخزامي.. وبينماأنا أمام التلفاز اتابع باهتمام شديد مستجدات الأخبار حول الوباء ! بين يدي دفتروقلم اسجل فيه يوميا عدد الضحايا والمتعافين والمصابين في وطني المغرب الذي وضع خطة استباقية لمواجهة الفيروس اللعين اشادت بها دول العالم،إذ بأصوات متعالية تخترق سمعي. انهم الباعة المتجولون هاربون من دوريات المراقبة . تناثروا في كل الأزقة والأحياء كأنهم أصيبوا بضربة شمس او بنوبة جنون؟ أبصارهم شاخصة في كل الاتجاهات! وفي عيونهم خوف متشابه. الشيئ المؤكد انهم لايخافون من كورونا! انهم يخافون نظرات أبنائهم وعتاب زوجاتهم حينما يعودون إلى البيت وليس بحوزتهم قوت يومهم ... . لكن الحي صامت كالموت. وحدها نداءات الباعة يرددها الصدى. أوجعني كثيرا هذا المنظر. لعنت الفقر و الجشع ولعنت كورونا. اختنقت الأجوبة في حلقي واحسست بضيق في صدري وبوخز في حلقي. فهرعت
كعادتي إلى قارورة خل للغرغرة، غسلت وجهي من الدموع ومن
الرعب بالماء. لم انس الصابون المضاد للباكتيريا.ولم انس ايضا أنني في حرب شرسةمع كورونا......


حفيظة العناوي
المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.