أعلان الهيدر

السبت، 16 مايو 2020

سيدي !..

عدنان قناطري




سيدي !
- أحاول النّوم يا سابي , دعني أغط في غطيطي
من سابي ؟!
-أنت يا سبستيان
جميل جداً هذا الدلع
-ادلع يا كايدهم وحاول أن تنام أنت أيضاً
أنا أفكّر يا سيدي
- سنفكر سوياً , ولكن لاحقاً .. أما الآن فغطّ معي , أريد أن أغط .. أنا بحاجة للغطيط
أغطَّ معك ؟! سنفهم بشكلٍ شاذٍ , ويفضح أمرنا ..
-أنت مجنون يا سبستيان ! قل لي الحقيقة , هل أنت مجنون !؟ أنت داخل دماغي يا أحمق , أنت فكرة خيالية اخترعتها في صغري .. وهذا في رأيي أكثر شذوذاً مما تفكر به.

هل تعرف نفرتيتي ؟

-أنا أهيم في نفرتيتي وتمثال نفرتيتي , ليس فقط أعرفها . أنا أعرف سلالتها كلها .. حتّى أني أعرف طول رقبتها بالمقاييس الضوئية .

وكيف تعرفها ! أقصد بما أنّها قديمة هذا القدم , و وصلت أخبارها اليك .. ما الذي يميّز نفرتيتي عنّ.. لنفترض مثلاً أنه ثمة امرأة معاصرة لنفرتيتي اسمها , اسمها مثلاً : ام ادهم .. ما الذي يميّز نفرتيتي عن ام ادهم حتى تندثر تلك وتعيش هذه ؟

-نفرتيتي عظيمة الجمال بالمقام الأول , وملكة بالمقام الثاني .. ماذا تريد أكثر من هذا !

الجماااااااال .. هذا ما أفكر به

-تباً لك سائر اليوم يا سبستيان , أقسم بتوت عنغ أمون أنك مجنون

الجمال ينال قسطاً كبيراً من تفكيري .. لا أستطيع حلّ هذه المعضلة يا سيدي. فعلمياً و واقعياً وفلسفياً الجمال نسبي , نسبي بشكلٍ هستيري .. فعندما نقول أنّ فلان جميل أو فلانة جميلة , ما الذي يدرينا أننا نرتكب جرماً بحقّ الجمال ! . دعّ عنك كل ما تعلمته وما عرفته وحاول أن تفكر كإنسانٍ خلق للتو .. قد تقول لي أن الجمال يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالألوان الزاهية , فالإنسان المعاصر يعتقد أن البشرة الشقراء والعيون الزرقاء أو الخضراء هي السائدة على مراتب الجمال . ولكن لا , لا يا سيدي .. فهذا لا علاقة له بالجمال , وان كان ثمة علاقة تربط هذا الكلام بشيء .. فهي الثقافة والتاريخ . ما تراه اليوم من أفكار , ومن ميول , ومن رغبات هي بالضرورة نتيجة الماضي , وثقافة الماضي .. ولو تغير الماضي , تغير الحاضر .. فلو كان أجدادنا .. صدقني .. صدقني .. لو كان أجدادنا يعتقدون أنّ البشرة السمراء هي عنوان الجمال , لكنا نعتقد ذلك اليوم . انظر الى قبائل الغاب الباقية الى يومنا هذا , انظر الى مقاييسهم التي تعتبر شاذة وغربية وعجيبة بالنسبة لنا ... أتعرف قصة الاله " لاسيز " ؟

- اذاً قد أٌعتبر أنا جميلاً على مقاييس الجمال الحقيقية , بما أنها لم تُعرف بعد .. رائع .. جذبتني أفكارك أكثر من الغطيط .

لا يا سيدي , أنت قبيح على جميع المقاييس .. عموماً سنناقش القبح لاحقاً .

- سبستيان , الانسان بالضرورة على قدر من الجمال وافقتني أو خالفتني على ذلك . القرآن كان واضحاً كلّ الوضح بقوله عن حسن صنعتنا وكل مسلم يؤمن بذه الكلام " ولقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم " . وفي العهد الجديد أو في العهد القديم نحن أبناء الله , ونشبه الله , وكل مسيحي يعتقد بهذا .." وقال االله لنعمل الانسان بحسب صورتنا ومثالنا" . حتّى بعض الطوائف المسلمة تعتقد أن الانسان خٌلق على صورة الله . أتشك في جمال الله يا سابي ؟
هذا ان كان الله كياناً ملموساً يا سيدي . وان كانت الاديان صادقة في رسائلها . لسنا بصدد النقاش في الموروث الديني الآن . سيدي , ان هذا الأمر يؤلمني .. أنا لا أشك في الجمال , ولكن أين الجمال ! كيف أستطيع الاشارة الى الجمال وأنا لا أملك من العلم - ولا أحد الى الآن - ما يؤهلني للإشارة بثقة بإصبعٍ لا ترتجف ولا تتوجس ولا تتردد .. ما يؤهلني للإشارة بيقين ؟ أتفهمني ؟!

- أفهمك جيداً . ولكن ألا يمكن أن يكون الجمال نسبياً بيننا نحن البشر لا بطبيعته . خذ حجرة مثلاً .. نعم حجرة .. واعتني بها أمام طفلٍ صغير .. بل بالغ العناية بها .. وكرر على مسمعه أن هذه الحجرة جميلة .. و سيكبر هذا الطفل وهو يعتقد ذلك ..
أتريد حقّاً اجابة قطعية لا شكّ فيها ! أتريد ذلك الاصبع الذي يشير بيقين ؟ ان الاجابة داخل كل أحد مننا , والجمال الذي يخصك غير الجمال الذي يخصني أنا يا سابي .
تجذبني جداً قصة النبي " يوسف " في القرآن , و استطعت أن استخلص منها بعض مقاييس الجمال الصافي التي تود أن تحيط بها . ان الجمال الحقيقي تعرفه عندما تشعر بالذهول

الذهول !!

- نعم يا سبستيان , الذهول . ان الذهول يجرّدك من مشاعرك الجنسية وشهواتك ورغباتك وكل ما يعتمل في نفسك . فإن كان خلع الثياب يعرّي الجسد , فالذهول يعرّي الرّوح وتصبح الرؤية أوضح , وفهمنا للأشياء ونظرتنا لها أوضح . فالقرآن لم يشير أبداً الى جمال يوسف من خلال الوصف و لم يناقش هذه التفاصيل على الاطلاق , ولم يشير الى ذلك من خلال مدائح النساء وأشعار النساء وهيام النساء .. ولكنه أشار الى عظمة جماله من خلال ذهول نساء مصر . فكل شيء يذهلك هو بالضرورة على قدر عظيم من الجمال, أو العكس .
من منّا يشعر بالذهول هذه الأيام .. ان الذهول أصبح مادة نادرة وصعبة المنال . الا أنّه من يبحث يجد , ومن يمعن النظر يستطيع الرؤية .
أتذكر تلك الفتاة التي جلست أمامي على الغداء والشمس ترخي ضفائرها عليها ؟ أتذكر عندما رأيتها أول مرة كيف شهقت مثل الفقمة المفجوعة ! آه يا سبستيان .. أخاف أن لا أذهل بعدها يا صديقي
أشعرت بالذهول عندما رأيت مونيكا بلوتشي ؟!

أنا مذهول يا سيدي

ثمة ألات موسيقية ترجع الى قبيلة من قبائل الهنود الحمر , واستطعت بعد عناء شاق أن أقتني واحدة مزيفة منها . إن هذه الآلات تعتمد بالدرجة الأولى على الماء والهواء .. وبمجرد أن تميل بها تصدر أصواتاً إلاهية لا تسري في معابر الأذن الحلزونية , بل في شرايين اليد و أوردة القلب يا ساب .. يا الهي كم يشبه صوتها هذه الموسيقى , تشعر أن موزارت و بتهوفن و باخ و هاندل و فيفالدي و شوبرت و شومان و سوليفان و ديبوسي و سترانفسكي و فيردي و ريتشارد فانغر .. اجتمعوا جميعاً على تأليف صوتها , وطريقة نطقه . أذهلتني تلك العيون التي تشبه شلالات "فكتوريا " .. ما زلت منذ عرفتها يا سبستيان أتكبد مشقة السقوط من عالي تلك الشلالات .. أنا لا أغرق تحت الماء .. عاقبني الله لأسقط فوق الماء آلاف المرات والى الأبد .
لقد أمنت بالله بسببها يا سبستيان ..

لا اله الا الله يا سيدي

-تباً لك ما عدت أستطيع أن أغط في غطيطي , وكيف يغط المرء في غطيطه بعد هذا الحديث .. لنتدرب على الذهول يا سبستيان , لعل وعسى نذهل " صدفة " هذا اليوم

علمني الذهول يا سدي

- هاك صورة مونيكا بلوتشي , وأنا سأذهل بتلك المجرمة .

سيدي !

-أنا مذهول يا سبستيان

ذهول سعيد يا سيدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.