أعلان الهيدر

الأحد، 17 مايو 2020

الرئيسية مقاتِلون جزائريون في صفوف ثورة عز الدين القسّام الفلسطينية 1936م/1937م

مقاتِلون جزائريون في صفوف ثورة عز الدين القسّام الفلسطينية 1936م/1937م

فوزي سعد الله



الأستاذ فوزي سعد الله
عند انفجار ثورة عز الدين القسام عام 1936م في فلسطين ضد الانتداب البريطاني والصهاينة، وكانت أول ثورة شاملة ومنظَّمة رغم نقائصها، سارع المتطوعون إلى نُصرة فلسطين من كل البلاد العربية والإسلامية. وجاء كثير
منهم مشيا على الأقدام عابرين الجبال والوديان والصحاري، لا سيما من الجزائر والمغرب وتونس وليبيا رغم ظروف هذه البلدان القاسية والتي كانت في معظمها ترزح تحت نير الاحتلال الذي كان يُطاردهم ويتعقبهم في الطرقات كما وقع لـ: "الجهاديين" في العراق وسوريا مؤخرًا. وما زال أحفاد مَن كُتِب لهم العيش موجودين في فلسطين التاريخية وفي بلاد الشام ومصر بعد أن شتتهم الاحتلال الصهيوني ابتداء من عام النكبة 1948م.

الفصائل الجزائرية المجاهدة

من سوريا، جاء إلى فلسطين نحو 1000 متطوّع، حسب بعض التقديرات، للوقوف في وجه المشروع الصهيوني الذي بدأت تتضح معالمه حينذاك بوضوح.
لكن ما لا يُعرَف إلا من طرف القليل هو أن هؤلاء كان من ضِمنهم 700 سوري من أصل جزائري، حسب الباحث حسني حداد، من الذين استقروا في الأراضي السورية منذ أربعينيات القرن 19م إثر انهيار المقاومة التي قادها الأمير عبد القادر الجزائري في الجزائر والذي كان هو ذاته أحد الذين اختاروا الرحيل إلى الشام. "وقد استشهدوا جميعهم في تلك الثورة برصاص الهَاغَانَاه وقوات الاحتلال البريطاني" على حد تعبير الفلسطيني من أصل جزائري الدكتور عبد الله صلاح مغربي الذي ينقل عن المؤرخ يونان لبيب رزق أيضا بأن "دمشق شهدت عامي 1936م و1937م نشاطا ثوريا وتعبويا قاده الجزائريون السوريون، أثمر بالكشف عن حقيقة المخطط الصهيوني، وحَرَّكتْ العربَ لأول مرة للتصدي بالسلاح لهذا المشروع الخبيث"... وقد نجحت هذه الثورة التي قُمعتْ بشدة في إزالة العشرات من المستوطنات اليهودية، ولو مؤقتًا، وخلَّفتْ مئات القتلى على الأقل في صفوف الصهاينة وحلفائهم.
انتظم السوريون من أصل جزائري خلال ثورة عز الدين القسام حسب 3 فصائل، يقول السوري من أصل جزائري الذي عاد نهائيا إلى مسقط رأس أجداده سهيل الخالدي، وانتشروا في 3 مناطق داخل فلسطين التاريخية، وهي: منطقة صفد ومنطقة طبرية ومنطقة حيفا.

كان يقود مقاتلي فصيل صَفَد محمود سليم الصالح، المدعو "أبو عاطف"، ابن قرية العموقة القريبة من صفد، وهو ينحدر من عرش بلْوَارث في بلدة دَلَّس المحاذية للعاصمة الجزائرية.
وقاد فصيل طبرية محمد بن أحمد بن عيسى، المدعو أبو سعيد، وهو من قرية كفر سبت في طبرية، وينحدر من عرش سيدي عيسى في عين بسَّام بولاية البْوِيرة القريبة من العاصمة الجزائر.
أما فصيل حيفا فكان تحت إمْرَة الحاج وَحْش أرْغِيسْ ابن قرية هُوشَة الحَيْفاوِيَة والمنحدِر مِن منطقة سيدي أَرْغِيسْ في ولاية أم البواقي الجزائرية.


محمود سليم الصالح الدَّلْسي...المقاومة الصفدية

خلال هذه الثورة، مَحَا فَصِيل صَفَد وقائدُه محمد سليم الصالح الوجودَ اليهودي من منطقته، وأثار بالتالي مخاوف جدّية في الأوساط الصهيونية والبريطانية في فلسطين التي وضعتْه على قائمة ألد أعدائها. ويشهد تاريخ معركة طبرية وعمليات أخرى آنذاك على دور جزائريي المنطقة القوي وقائدهم الدَّلسي. وعند فشل الثورة وإخمادها بقمع شديد من طرف البريطانيين بأسلحة متطورة فتاكة، مقابل رجال سلاحهم قوة عقيدتهم وعدالة قضيتهم وبنادقهم، انتقل القائد محمود سليم الصالح إلى القتال في العراق عام 1942م خلال ثورة رشيد الكيلاني واعتُقل في هذا البلد لاحقًا من طرف البريطانيين لفترةٍ والذين بمجرد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م أَطلقوا سراحه.
عاد محمود سليم الصالح إلى قريته الفلسطينية عَمُوقَة إثْرَهَا لاستراحة قصيرة، استراحة الرجال الأبطال، لِيخوض بعدها خلال النكبة في 1947م/1948م الحرب مجددا، هذه المرة ضد المحتلِّين الصهاينة قائدا لأحد فصائل تحت قيادة عبد القادر الحسيني. واستشهد أبو عاطف في معركة الشجرة في الجليل عام 1948م برفقة متطوعي المغرب العربي، ودُفِن في بلدة الناصرة في فلسطين قبيل دخول القوات الصهيونية البلاد في 15 مايو 1948م.


محمد بن أحمد بن عيسى ابن عين بسام...المقاومة في طبرية

في طبرية، قاد محمد بن أحمد بن عيسى عدة عمليات ضد الصهاينة، من بينها الهجوم على مستعمرة "يما" ونَصْبُ الكمائن لخطوط النقل والإمداد البريطانية/الصهيونية وتفجير أنابيب النفط والتي خَلَّفَتْ كلُّها خسائرَ في الأرواح والعتاد في صفوف الصهاينة بشكل خاص.
خلال العام ذاته، 1936م، حُوصر محمد بن أحمد بن عيسى برفقة مجموعة من رجاله في قرية عُولَم من طرف البريطانيين واشْتبكوا معهم، وانتهتْ المعركة باستشهاده ورفاقه الثلاثة بعد أن حاول اقتحام صفوف البريطانيين وجهًا لوجه مُطلِقًا النارَ عليهم حيث "استشهد مُقبِلاً ولا مُدبِرًا"، كما ورد في نص نَعْيِه آنذاك، عن عمر ناهز 60 عاما مثلما يؤكد الباحث الفلسطيني أحمد أبو جزر.


المقاومة في حيفا...الحاج وحش أرْغيس القادم من أم البواقي

أما في حيفا، فقد "كان للحاج وحش أرغيس في معركة هوشة صولات وجولات" يقول عبد الله صلاح مغربي. ويوضح في كتابه "من جرجرة إلى الكرمل" بأن "...في يناير عام 1948م، هاجم الصهاينة قريتي هُوشَة والكسَايَرْ، واحتلوهما، ودام الهجوم والقتال يوما كاملاً، تَكَبَّدَ اليهودُ فيه خسائر كبيرة، وأُجْبِروا على الانسحاب، وقد لعب الحاج أرْغِيسْ دورًا بارزا في هذا النصر، واستشهد من القوة العربية 35 مجاهدًا (...) (و) تَحَيَّن اليهودُ الفرصة وقاموا، بعد أن جلبوا قوات كبيرة، بمهاجمة هوشة، واحتلوها ثانية وطَرَدُوا سُكَّانَها، ودمَّرُوهَا..." بالمدفعية وأحدث الأسلحة آنذاك.
فَصِيلُ حَيْفَا تَأسَّس إثر "...اجتماع لوجهاء الجزائريين في منزل مختار قرية مَعْذَرْ، عيسى الحاج أحمد الرّْقَايْقِي من البْوِيرَة في الجزائر الأمّ، وأن الأمير عبد القادر الجزائري (الحفيد) والشيخ عبد القادر المبارك الجزائري لعبا دورا واضحا في شراء الأسلحة لها" على حد تعبير عبد الله مغربي.
كان بين رفاق القائد الجزائري من الجزائريي الأصل الشهداء في هوشة كُلاًّ مِن موسى عيسى ومختار الكساير وحسن الخضر.
بعض أحفاد أرغيس يعيشون اليوم، أو على الاقل إلى غاية السنوات التي سبقت المأساة السورية الحالية، في حي المغاربة في العاصمة السورية دمشق.

بعد إخماد الثورة بصعوبة، نكل الاستعمار البريطاني بالجزائريين وقراهم المقاوِمة لهم وللصهاينة تنكيلاً همجيًا حيث دَمَّروا مساكنهم وممتلكاتهم وبُناهم التحتية وطردوهم من أراضيهم.
هؤلاء المجاهدون ليسوا كل المجاهدين في فلسطين من أصل جزائري بل فقط الذين جاؤوها من سوريا وتعاونوا مع المقيمين في فلسطينأ أما البقية فأكثر بكثير آنذاك وبعد ذاك. وسوف يتواصل الدعم الجزائري للفلسطينيين بالرجال والمال والعتاد في كل الحروب الفلسطينية اللاحقة مع المحتلين الصهاينة.

رُفات الشهداء الجزائريين خلال ثورة 1936م، ثورة عز الدين القسّام، موجودة في فلسطين في مقبرة، بأسماء وألقاب أصحابها، مُهدَّدة بالجرف من طرف سلطات الاحتلال الصهيوني بمبررات التهيئة العمرانية مثلما كانت تفعل فرنسا في الجزائر بعد الاحتلال في عام 1830 مع مقابر الأهالي في باب الوادي وباب عَزُّونْ خارج الأسوار العتيقة.

القضية لم تنته كما يُعتَقَد، رغم الخيانات والخذلان، وسَتَعُود فلسطين إلى أهلها... لا يُساوِرُنِي أيُّ شك في ذلك...


فوزي سعد الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.