أعلان الهيدر

الثلاثاء، 31 مارس 2020

استقلال عذراء

مرزوقي أماني حياة


ماذا سأكتب لك ياولدي؟
وماذا سأترك لك كرواية يا بنيتي؟
عن هذا الزمان الذي أعيشه! أو عن الذي شهدته من أحداث وتجارب مع البشر جعلتني أبتعد عن الواقع وأخوض في عالم الوهم وأفعل فيه مايحلو لي ويجعل خاطري يطيب على أكمل وجه، ففي الساعة الحالية عقلي لايستجيب لشيء وكأنه يريد التبليغ عن حالة مشددة وصل اليها حتى أصبح لايدرك حقيقة مايحدث حوله، حالة من الفزع والجزع تنقطع لها الأنفس، تتجمد الأرواح من هول الصراع والإشتباكات الداخلية التي يتعرض لها الإنسان في حياته، كنت أشد الارتباط والتعلق بذلك البيت الشعري " ليت الشباب يعود يوما"، لكن أي شباب كنت أحلم به أنا، لم أعرف في حياتي أنه حين يبلغ مراهق سن العشرين يدخل مرحلة جديدة في حياته تسمى مرحلة الشباب، هذا لأني لم أعش لحظة منها ولم أتعرف على تأثيراتها في حياة المراهق، كنت منعزلة عن كل هذه المفاهيم، فمنذ بلوغي سن العشرين فقدت أعز ماأملك وهو بذرة نموي عن الوالدين أقصد، عشت الحزن طيلة حياتي وعزلت نفسي ومنعتها عن التقرب من الناس، شردت في الشوارع وحرمت من حقوقي أهمها كانت مواصلة مشواري في الدراسة لكني وجدت ذاتي خادمة تحت أقدام البشر أطلب العفو لكن دون رحمة كنت أتلقى جزائي، وحين تحررت من قيودهم قلت علي أن أجد حلا أستطيع أن أضمن به عيشتي في الأيام المقبلة حلت علينا تلك اللعنة، جعلتنا أسيرين داخل قفص ننتظر متى موعد رحيلها حتى يتسنى لنا العودة الى نقطة الصفر أين بدأنا نتخذ أولى أهدافنا، كذلك لا أنسى تلك الحروب التي أقدمت علينا بحذافرها تنقر علينا كل صبيحة حتى طاقت أنفسنا للعودة الى الوراء أين كنا ننعم في جنات دون ضوضاء، لم تترك فينا تلك النزاعات لا لحما ولاعظما حتى أني لم أسلم منها، فقد وضعوني في حجز واعتبروني كالخرذة هناك يستعملونها الا للتنظيف والطبخ حتى أرغموني كذلك على أن أكون عونا لهم أي كجاسوس ينقل لهم أخبار وطني الحبيب لأصير على هيئة خائن للعهد الذي طالما قطعته منذ صغري أن وطني سيبقى حب أبدي في فؤادي ولايمكن لأي قوة وسلطة أن تهدم مابنيته منذ سنوات، فحين رفضت ذلك سلطوا علي أشذ أنواع العذاب حتى أنهم أحرقوا جلدي الضعيف المسكين الذي أصبح هشا لايقوى على فعل شيء، وكانوا يضعونني داخل زنزانة تملؤها حشرات سامة وجرذان جائعة تنتظر بشرا تلتهمه بكل شراسة، لكن كيف لها أن تتناول لحما كان قد فقد شهيته منذ مدة! حتى أنها حين كانت تقترب مني لكي تأخذ حقها من القوت، تشفق علي وتربت علي وتهمس داخل أذناي بصوت يشبه الأنين " صبرك لله ياأختاه منا اليك غير الإطمئنان والسلام " وتمضي في طريقها بحثا عن رزقها من مصدر آخر.
أيام سوداء شهدتها في مرحلة شبابي تبا أو مرحلة عجزي، هذا لأني قواي انهمرت في عز ربيعها، أصبحت كالشيخ الطاعن في السن ينظر حول العالم ومايحيط حوله بإبتسامة تدل على أن موعد الساعة اقترب ليأخذ ملك الموت روحه ويخلصه من عذاب كان يحرجه ويزعجه ولايدعه يستمتع بآخر ماتبقي له من دقائق ويعلن فراقه عن أحبابه وأصدقائه.
انتظرت الفرج طويلا حتى ضاق خاطري من كثرة الإنتظار، اذ بي أسمع فجأة نقر الأقدام وكأن جيشا قادما يحتل قوما ضعيفا أو بحرب قادمة ونحن غير مسلحين بها، كنت خائفة في ذلك الحين ولم أستطع أن اتمسك باعصابي حينها، خاصة حين كانت الأصوات تقترب من باب زنزانتي، لبذت في آخر الزنزانة وبقيت أنتظر من سيأتي ويحطم ذلك الباب، اذ بهم مجموعة من الأشخاص كانوا يرتدون أقنعة غطت ملامح أوجههم حتى كدت لاافرق بينهم، جاء أحدهم يمسك ذراعي وقال لي:" لاتخافي فهذا هو موعد حريتك، ابتسمي ولاتذعري...." ففي الوقت الذي كان يتكلم معي فيه أغمي علي لكثرة عدم تحملي للمشاهد التي انصدمت فيها، حتى أني لم أشعر كيف حملني ووضعني داخل سيارة وأدخلني داخل غرفة واسعة منارة من جميع الجهات، ونوافذ كبيرة تجعل من أشعة الشمس تضيء غرفتك صباحا لتنشر لك البهجة حين تقوم من أعز أحلامك، كنت مندهشة حينها أين كنت وأين وصلت! إذ بباب الغرفة يدق ليدخل رجلا طويل القامة عريض الأكتف أسمر البشرة وذا وجه وسيم يبتسم وكأن نور الخير يشع داخله، استحيت حينها ولم أجد ماأقوله حينها، حتى وجدته يتكلم معي بصفة وكأنني كنت أعرفه منذ زمن، قال لي :" ألست عذراء بنت حسين ابن مالك الكاتب والشاعر صاحب كتاب «معجزة في زمن الناقور»" .
اصابتني الدهشة، كيف له أن يعرفني ويعرف أبي وماذا يفعل في حياته، كيف لأبي أن يعرف بشرا بينما كان يمضي طيلة وقته وحيدا لايخالط لاانسا ولا حتى حيوانا، عجبا يازمن هل أبي كان اجتماعيا دون أن أدري! أم أنني كنت صغيرة حينها مشغولة بأوراقي وأقلامي وأكتب مايجول في خاطري وأسرح في عالم الهامي متناسية من حولي، ألهذا لم أكن أعرف ابي جيدا كنت فقط أحاول أن أكون مثله كاتبة وشاعرة فلطالما كان ملهمي وقدوتي في الحياة! تبا لك يازمن.
أجبته بصوت خافت:" نعم انها أنا، ومن تكون أنت!؟" أجابني وقال لي :" أبي يكون صديقه المقرب وهو شاعر كذلك وقبل أن يفارق الحياة اثر حادثة الزلزال الذي أصاب منطقتكم منذ عشرين سنة، ارسل الينا كتابه هذا وفيه رسالة تخبرنا أنه علينا أن نهتم بك ونجعلك كفرد منا حتى لاتضعين في هذه الحياة اللعينة." اوقفته حينها وقلت له: " ومن تكونون أنتم؟" أجابني بصوت يدل على الفخر والعزة :" نحن حماة الوطن الحبيب، ونحارب جميع عدو له ومن يمس بشرف أو يهتك بكرامة جميع فرد من أفراده، ألم اقل لك أنه موعد حريتك ياهذه...".

فرحت حينها فرحا شديدا تناسيت ماعشته في تلك الأيام القاسية التي مرت علي، حتى أني أحسست أني ولدت من جديد والأهم من ذلك أن حريتي تزامنت مع استقلال وطني وتحرره من المحتل العدو اللئيم، الذي قتل وهتك آلاف البشر الضعيفة، والذي كان يحاول تشويه صورة وسمعة الوطن الحبيب. رجعت الى الكتابة وكتبت فيها تجربتي المؤلمة وحاولت تخزين العديد من القصص لأسردها على اولادي مستقبلا حتى يأخذوا العبرة منها، وباشرت بتأليف باكورة أعمالي التي ستكون انطلاقة مني لأكون خليفة أبي حتى أجعل من بصمته لاتزول مع مرور الزمن، فمن معجزة في زمن الناقور تليها استقلال عذراء أين أخذت حريتي ووجدت نفسي بعد أن جردت من الحياة لتعيش بين أحضان الموت تنتظر موعد رحيلها والتخلص من قسوة جعلت منها شجرة من دون أوراق.


#مرزوقي_أماني_حياة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.