أعلان الهيدر

الثلاثاء، 10 ديسمبر 2019

الرئيسية قصة قصيرة/ خيمة عمتي

قصة قصيرة/ خيمة عمتي

حركاتي لعمامرة


مازال طيفها لم يفارق مخيلتي إنًها عمتي صحرة ذات البشرة القمحية اللون والشعر الأشيب المجعد الذي تغطيه بالمنديل الشامي ذي اللون الأحمر القاني لم يبق لها من الأسنان إلا إثنتان في الفك العلوى وبعضا من الأضراس تظهر عند أول ضحكة لها...
تسكن عمتي بيتها الطيني بعد أن فقدت زوجها إبان الثورة هي تكابد الوحدة وتتذكر دائما ذلك الزمن الجميل ،تقضي يومها في الطواف بين البيوت حينا وبين زيارة حقلها الصًغير
الذي بقي من بركة المرحوم ،تأمرنا بين الحين والآخر بقضاء بعض الحاجات ومساعدتها في الحقل وحينما يحل فصل الصيف تحضر خيمتها التي ورثتها عن جدها تلك الخيمة البنية التي صنعت من خليط من شعر الماعز ووبر الإبل لتنصبها عندما نودع الصحراء للذهاب إلى المناطق الباردة .
و ذات خريف وبعد عودتنا من المصيف نزلت أمطار غزيرة في قريتنا وإستمر هطولها شهرا كاملا مماجعل جميع سكان قريتنا يغادرون بيوتهم الطينية التي غمرتها المياه ،فلم نجد غير خيمة عمتي التي نصبنها فوق هضبة مرتفعة لنقضي بها أياما لاتنسى ،ووادي سيدي زرزور الذي يفصل قريتنا عن المدينة كان قد إمتلأ عن آخره،حتى وادي الأفطح الذي يقسم قريتنا نصفين هوالآخر إمتلأ عن آخره وكذا الشعاب والحفر
لاشيء سوى الغدير ،بينما نحن لم يكن بوسعنا إلا التمتع بمناظر الطوفان العظيم ونحن نعتلي التلة التي أنقذت حياتنا نهارا وخيمة عمتي التي نأوي إليها ليلا ...كنا نشاهد بين الحين والحين جذوع النحيل وبقايا منتوجات الحقول وهي تطفو على صفحة الماء بعدما قضى عليها ذلك الطوفان المشهود .
كانت طائرة الهيلوكبتر تحط على التلة أحيانا لتزودنا بالمؤونة والغطاء وكان عناصر الجيش يزودوننا بالأفرشة والأغطية إنها النكبة ...
أما بقية السكان الذين حاصرتهم المياه فقد نقلتهم الطائرات لتحط بهم في المدارس الحديدية البناء وكان شانبيط القرية من يشرف على توزيع المؤونة للجميع ...
كانت سعادة عمتي لاتوصف ونحن نؤنس وحدتها وتمنت أن يستمر الطوفان شهورا أخرى ولكن وبعد شروق الشمس عاد الجميع إلى بيوتهم ،أما عمتي فلم تصدق أننا سنطوي الخيمة إلى موعد فصل الصيف وكانت مسحة من الحزن تعلو محياها وراحت ترفع رأسها إلى السًماء
لعلها تنبئ بسحب جديدة وأمطار طوفانية تعيد اللًمة من جديد وصدق من قال : مصائب قوم عند قوم فوائد
لكن كانت كل الغيوم عابرة كماحياتنا بروتينها الممل وتفاصيله التي كدنا أن نحفظها
عادت عمتي إلى بيتها ولكنها لم تكن تعلم ماكان ينتظرها مما قدر الله لها .
وذات صباح كئيب ماتت عمتي لتترك فراغا رهيبا في يوميات حياتنا فحزنت قريتنا لفقدانها وهي التي كان الجميع ينتظر إطلالتها كل يوم ، ولكن خيمتها بقيت تذكرنا بها على الدوام...


حركاتي لعمامرة. بسكرة 18 نوفمبر 2019

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.