أعلان الهيدر

الخميس، 15 أغسطس 2019

زمن متمرد

أنور زير




بالأمس كنت ذاك الطفل الوديع أحمل كل حمل الدنيا على جناح بعوضة حين أمتطي زمهرير اللهو في ملكي الصغير
هي غرفة صغيرة هناك في ركن منزلنا العنفواني خلف ضلع ما من هذه الحياة هنا قضيت جميع أوقاتي؟
أحزن عندما أغادرها صباحا يشدني الحنين فتتعلق روحي العذرية بحبل الحنين فأسابق عقارب ساعتي لأعود إليها لاهثا مساءا
كم تبدو لي الحياة بسيطة هنا مساحة صغيرة تمتد لتجمع ثلاثة جدران أحدهما ملون بالزهري
وكم يروق لي النظر إليه كأنه يبتسم لأعيني المتشبعة ببياض لون السلام الذي سقط فيهما ذات ليال خريف
ورد ذكريات ما بقي من أيام مضت..
في الجانب الآخر من هذه العلبة الجميلة توجد خزانة عتيقة من أحب الأشياء التي كنت أتعجب وأطيل النظر إليها في فلسفة الطفولة وددت لو اختبأت في بطنها فأتذكر عالم البراءة المنفصل ما قبل هذا العالم
كنت أطعمها حاجاتي الغالية خوفا من أن تضيع مني أو تسرقها ذات ريح وأنا نائم
فكل مساء كانت تنتظر أن تستقبل الأطنان من أكوام الذكريات... مشاكل... مصاعب... وأحيانا طرائف ونكت قد لا ترى من شدة ما سبقها
كل شيء كان يسير على ما يرام
حياة سخيفة مملة دائما الملك في رقعته نستطيع أن نلقبه بالتعود عن جدارة...
إلى غاية يوم كان في بدايته متميز
فعند استيقاظي أسرعت لنافذة صغيرة تزين الجدار الثالث داهش اللون لتثبت وجود حياة بالخارج فترمي بخصلات الشمس الذهبية على ظلي عند اطلالتي المفاجئة وتدفئ مفاصلي الباردة كما هو الحال ولكن يبدو أن الزمن قد ركب أرجوحته فغير أفعاله قليلا فصار شقي؟
أين تلك الطيور التي تعودت كل صباح على إلقاء تحية السلام؟
أين ذاك العليل الذي يصافح القلب ليصطحبه لعالمه في سلام؟
حتى لون الشمس هذه المرة ماءلا للأحمرار في حزن غير مسبوق كدمعة غريب مشتاق لحضن الوطن
كأنها ملت أو هرمت من مرافقتي...
لم أبالي عدت للمطبخ لأسكن روعي وأشرح قلبي بفنجان من القهوة الساخنة هي وحدها من تفهم شفتاي الغارقة في آخر لون من غبار هذا البلاط
بعدها تماما مشيت للغرفة مرة ثانية لأرتدي ملابس الكفاح وأخرج
صوت غريب هناك؟
دوي كأن كل شيء راب... انفجر... ألقى رسالة
ولكن من شدة الروع لم أفهمه؟
هرعت مسرعا للخزانة
فإذا بكل ما فيها يسقط يتبعثر على كل الغرفة؟
يا إلهي كم كانت غرابة تلك الفوضى؟
والآن أنا في محاولة لجمع كل شيء وإرجاعه لمكانه
سأرتب الحياة
دون جدوة للأسف الخزانة إنتهى عمرها!
تفكرت في تلك اللحظة بأن هناك نجار بارع لعله ينقض ما بقى
ولحظة معاينته للخزانة استمر لحظات دون كلام؟
يتأمل يتأمل فقط
لما هممت في سؤاله قاطعني قائلا: أعتذر منك يا بني؟.
ما رحل من هذه الخزانة العجوز لن يعيده أبرع الصناع في العالم
فبها قطعة نادرة لا تصنع سوى مرة واحدة في العمر؟
لقد نال منها منشار الحب ما نال فأصبح كذاك الأسد الذي فقد أسنانه ولم يعد صالحا لصيد أي فريسة ولو سلمت نفسها لا يستطيع إعادة تزيينها.
وإن فعل فسيتحطم ويتآكل قبل البدء...
وقد دق فيها من مسامير الحياة ما دق حتى المطرقة كلت من ذالك....هذا ما قاله وانصرف مسرع
وأنا في محاولة لإرجاعه: ألا يوجد حل لهذه المعضلة وأنت صاحب حرفة وخبرة؟
فقال في عجالة : *للخشب صناعه
وللحياة فنانوها
فإن قتلت فن حياتك فلا يوجد مبدع يستطيع ترميمه حتى أنت.*
عدت إلى مكاني و جلست لساعات طويلة غارقا في التفكير
لا شيء لاشيء سوى شريط كلام ذالك النجار العجوز يتكرر.
شعرت بعدها بأن كثير من الأحداث قد مرت وأنا نائم في صغري
وكثير من أسراب الطيور قد رحلت بعدما اختارت قلبي عشا
وميزة الطير إن غادرة مكان قد جرح فيه فلا يعود له أبدا...
والحياة مسلسل مختلط الألوان
لا يبقى فيه سوى حاضره.
*القبوع في الماضي خدعة.*


''أنور زير''

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.