أعلان الهيدر

الخميس، 18 أبريل 2019

الرئيسية تلك الشرفة المرصعة بتاج السنين

تلك الشرفة المرصعة بتاج السنين

محمد محجوبي 
حين أشرقت في ضحكات الشمس . كنت أحمل ببن جوانحي كتاب الجموح . كنت أراجع خيوط القلب بين مقل الحقول وبين قمة الذوبان . وأنا أصافح أقمار ليلي على تلك الشرفة العتيقة وهي تتلو على مسامع المعمار التقليدي الشغوف نبوءة المتصوفين الذين تحلقوا بسماء مناراتهم لكي يواكبوا هالة العشق . منسجمين مع ملاك المدينة المدللة المترفة تلقي جدائلها العطشى صوب مراتع القباب الذهبية .
هكذا يظل حي سيدي بومدين مهرجانا يكتنز في أحشائه نشوات الماء الزلال . وعلى باحة القصر البهيج تهيج ثورة الماء على صفحات التجاذب من لآلئ العيون في لفحات العشق . في سكرات الأهداب تزف المبتغى من عذب الجمال . ومن حدقات لاقحت عنفوان الزهور . تختمر اللحظة من فيضها المزدان . هي البئر على مناهل الحياة ماءها الخصب . . كنت على وعكات الرؤى أتعجل فصلي أن يورق نشوة من شجر على مقام الشيخ المقدم ومن واحات القصر المشهود حسناوات تواعدن لمسة الأوتار في تعاقب الوفود المجيشة الفضول . تارة أقطف غنائي على عبور مبطن الريش على رشات المواويل السابحة . وتارة اتصدر الشرفة السحرية وهي على دورات نسيمها الشمالي تستشرف غابات الشعر في لوحات الأصيل . والشاي على جمره المحموم يشغل وله الكؤوس فيقمع بقايا النهار بلهفة التأمل .
بين حي سيدي بومدين وحي باب زير كتلة صلبة من زمن التحري في خلايا تنتفض بإصرار . . فزهور هناك . طالما تراكمت انكماشاتها من شدة الليل . فهي لم تكن سوى شيئا من متاع تتقاذفه أرجل الزمان . . بينما زوبيدة هنا كانت قطعة من ترف التاريخ وهو على مصابيح القصر . بمحاذاة المسجد . وكنت أنام على قطعة من ذالك السكون يلتحم بطلاسم الماء من تلك البئر . فتضيئ له شرفة المعتصمين بفرحهم على منابت المقهى المعلقة . كنت أتحرى ذاتي بين تلك الملاحم السبعة المتشاكسة الألوان . على طول الطريق في أسفل الحي امتداد أخضر يعرض مفاتن الربيع ويوزع شعلات الصباح على إيقاع مرهف من قطرات الندى تميع أشكالها لخبال غزل ينتصب على جميع المحيا . حتى جنان المقبرة كانت تحيك رداءها من زهور تتطحلب على أنساقها بين عالم أموات يترك شغفا ساكنا وبلوغا ضامرا في شتات القبور . حتى انكشاف أسئلة الإنسان . حتى زواربع التاريخ بروافده الخلاقة تستحكم سرها في تعداد القبور . وبلسم التراب يتورد .. مقبرة سيدي السنوسي . وخافق العيش لزواياه المتشابكة . .
كنت لا أزال على موثق الماء ... عين مازوتة ... تروض خيول مائها بأمان المساء . لانطلاقة موسم يكرر النماء . . للمدرسة المقابلة على صفيحها الإصفراري في نبذة من السيرة المترهلة . يباغت الممشى . أحداقي نضحت بأكاليل الشباب . والمدينة على مسافاتي إطراب . كنت حين الدنو في همس الذكرى عصفورا عابثت سكرات المشي . . عايشني موسم من نوار . حين دنوت وزاولت النشوة في انبهار . . لا أذكر الا دفترا واحدا يتلظى أنينه ويزداد الانصهار . وأذكر في الذكرى قديمها وجوها وديار . .
حينها على شبق الشوق . وعلى مهج الاختيار . كنا من صفحة الذكرى نتبارز بالأشعار . لتبقى شرفة الحي خزان ذكرى . التهمه النسيان. والمقهى مدد من حنين حلم بي فنجان .. كيف تعرى الشجر في غبن التواري والاندحار . . وسكت صريخ ما رددته على الليل ولم يحفظه لسان الحي في أطلال البنيان ..


محمد محجوبي
الجزائر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.