أعلان الهيدر

الأحد، 20 يناير 2019

الرئيسية قصة : إخوة هابيل

قصة : إخوة هابيل


فضيلة معيرش

نامتْ عيون الليل باكرا على غفوة حيرتها ، سكبت دمعها السخي على وسادة الشوقِ 
لُفّ البيت بشال الصمت و الرّهبة والتذمر على غير عادته ، رمتْ من على كتفيها المثقلتين بمطالب الحياة عبء تفكيرها المستمر بهم . سكنت للحظات بنات تخمينها ، وراحت تمتص زفرات الهواء من عمق سنين تعبها ، التفت ناحيتها زوجها عمار الذي شاركها طيلة ثلاثين سنة وزر مبالغتها و حرصها في تربيتهم . انبسطت ملامحه وهو يرى بطرف عينه ابتسامة الرضا تتنزه على شفتي زوجته ثلجة . التي اثلجت صدره بحسن تدبيرها ، ارتدت كسوة الهناء باستقرارهم ، تظلل أولادها الثمانية بظلال حنانها ، تزوج الذكور الثلاثة وبقى صفوان ، زفت البنات الأربعة لبيوت أزواجهن . تعاقبت السنين ، توسعت عائلاتهم ، وتضاءل شعور حنانها لهم ، كما جف نبع شلال اغداقها للمال عليهم من راتب تقاعد والدهم كمهندس كهرباء بإحدى الشركات المهمة سابقا. استحوذ صفوان على دلال والده وماله أيضا، سجل الطابق العلوي من البيت باسمه ، يصمت الأب عمار كجسد بناء عتيق بوجه عتاب أبنائه ، تنفجر غدران تذمرهم أكثر حين أحضر له سيارة فارهة من فرنسا ، تحركت حواس الأم ثلجة بالفرح وأصغر أبنائها يختار الفتاة التي اختلج صدره لها لتكون رفيقة حياته. ينصت صفوان لشكوى إخوته من حرمانهم من بيت والدهم وماله رغم احتياجهم وتفاقم طلبات أبنائهم وزوجاتهم ، توشك لامبالاته أن تنطق بوجوههم لتسكت منطق الأخوة من عهد قابيل وهابيل .استفحل دبيب الغيرة بأفئدتهم، لم يتمكن أي منهم من إخماد الفوضى التي تأججت اقترب موعد عرسه وتمت الاستعدادات ، أخذ ذات ليلة شتوية موغلة في الظلمة و البرد أمّه ثلجة وإحدى أخواته للحمام المعدني الذي دأبت الذهاب إليه ، يقتات داء المفاصل من عمرها المشارف على السبعين ، سلك ليلتها طريق اجتنابي ضيق محاذي لجبال أولاد تبان القرية القابعة في الجنوب الشرقي لمدينة برج بوعريريج ، كان صفوان يقبض على محرك سيارته السوداء بيد واحدة ، ودبيب الوجد يصهد فؤاده لخطيبته عبير، كما يقول لرفيقه المقرب مراد : يبعث همسها بركان شوق بقلبي وبهاتفي الأيفوني ، يباغته شرود العشاق ليرتطم بالجدار الحديدي لاحدى
الجسور الصغيرة الرابضة بجانب الطريق ، لتصبح في لحظات سيارته الفرنسية

كتلة حديدية صدئة ، لفظت أجسادهم خارجها ، هتف باسم أمّه ثلجة ليجد أنفاسها الدافئة تغادرها ، تحسس جسد أخته الصغرى فدوى كان أنين توجعها يخترق سكون الوديان الموحشة ليبعث فيها صدى الفقد المباغت، غدت الكسور و الكدمات التي أصابتها وصفوان صرخة ادانة من والده عمار وبقية اخوته ... أضحت دموعهم بمرّور الأيام سيوف تسفح ما اقترفته يداه ، انزوى على وجعه وهو يسمع .....دللته فأخمد أنفاسها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.