أعلان الهيدر

الثلاثاء، 1 يناير 2019

الرئيسية قصة قصيرة / طاحونة سي أحمد

قصة قصيرة / طاحونة سي أحمد



حركاتي لعمامرة


كما كان يعشق الفلاحون في قريتي سنابل القمح الذهبية ،التي يحرصون على جمعها كل موسم لعل وعسى( فالتجارب التي مرت بنا قاسية ) ،قلت كل فلاح يجمع كمية تكفيه لسنة او أكثر ...
ولم تكن في قريتي سوى طاحونة واحدة هي طاحونة سي أحمد التي كانت تعمل بالطاقة المائية ...
هي في حد ذاتها معلم تاريخي جميل تشهد على حقبة من حقب الإستعمار البغيض لكن حكمة سي احمد وتفننه في كيفية ترتيب الأشياء كان كالعاشق الولهان ، يتفقدها شيئا فشيئا ويجدد لها ماءها ويتعهدها بالرعاية هي مصدر رزقه ومصدر إلهامه ،لقد كان سي احمد فنانا في الترتيب والتوضيب وكان سكان قريتي والقرى المجاورة يقدمون اليه مع تباشير الصباح يقدمون إليه بحبوب الحنطة الذهبية لتصير دقيقا قلما يحصل الفلاح على مثله ...
طاحونة سي احمد حكاية عشق كبير جمع بين قلبين لم ينفصلا والى الابد وهما اللذان باركتهما هذه الطاحونة العتيقة إنها القصة التي ترددها جدران الحدائق والمنازل ويشهد لها كل من مر من هنا ...كانت عائشة كثيرة التردد على الطاحونة والقصر لترى عن بعد سي احمد وهو يطحن الحبوب ويردد اغنية الحياة وهي تنتظر خروج ملهمها الذي كان يزور القرية كل صيف ،وقد كانت تلتقي به لتهمس في أذنيه أغنية الحب البريء ،تحت وقع ضجيج المطحنة و تشاحن الزبائن وصيحاتهم حول الدور وقد قيل قديما في المثل المأثور : حين يتشاجر الطحان مع زبائنه فحافظ على سلامة حنطتك ،اماهي فقد كانت تنظر عاشقها القادم من الجامعة في عطلة تحت كرمة من كروم التين وارفة الظلال تجري من تحتها ساقية عذبة المياه لتلتقي به في جلسة قلًما تحدث في قريتي ، وكأن سي احمد قد بارك لقاءهما الذي لاينقضي ليتجدد ،وفي نهاية العطلة الصيفية يتملك عائشة إنقباض كبير وحزن عميق ،للفراق الذي يستمر تسعة شهور كاملة ...

ولاتبقى بينهما سوى لغة الرسائل التي بقيت خالدة ...
اما سي احمد فقد كان يغازل طاحونته العتيقة التي تخلد إلى راحة شتوية ،فيصيبه الفتور ويخلد إلى راحة إجبارية ،يستغلها سي أحمد بقراءة القرآن وأمهات الكتب ،دون ان ينسى رعايته لحقله المجاور للطاحونة بنخيله وأشجار التين والزيتون والبرتقال والتفاح وأكثر شيء يشد إنتباهه تلك الكرمة التي سجلت اجمل أسطورة عشق في تاريخ قريتي ببراءتها و طيبة سيرتها البريئة بينما بقيت جدران المطحنة تردد جعجعة بلا طحين...


حركاتي لعمامرة بسكرة 30 ديسمبر 2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.