أعلان الهيدر

السبت، 15 سبتمبر 2018

" وخز الضمير "




محمود حمدون
صبيحة أحد أيام الشتاء الماضي , بالتحديد في السادسة و الدقيقة الثامنة و الخمسين تماماً حسبما أتذكر , صحوت على دقات منبّه " الساعة " برنّاته المزعجة , كما يفعل كل يوم . راعيت منذ فترة أن أجعله متأخرا عن السابعة قرابة دقيقتين , وقت كاف لإزالة ما يعتريني من دهشة تحلّ على رأسي عند استيقاظي .


استيقظت على دقات مزدوجة , آتية من المنبّه القابع على منضدة مجاورة لسريري , أخرى قادمة من الباب الخارجي , دقات متتالية تشي بأن أحدهم أتى في عجلة من أمره ,غالبا ما يكون نذير خطب جلل , حديث دار بيني و بين نفسي و أنا أتوسط فراشي متوجّسا قلقا.

زاد الدق ثم تحول لطرق شديد , دفعني للنهوض متعثرا في خطواتي يغمرني عرق الحيرة ممزوج بخوف خفيّ ,عبثت بالمنبّه حتى خمد صوته , أسرعت للباب فتحته موارباً, رأيت أشباحاً لنفر يسدون المدخل , بعضهم يتوسّد درجات السلم .
من أنتم ؟ سؤال تردد بجوفي لكن منعني جفاف حلقي أن أصرخ به , سمعت من يقول : أهكذا ترحب بضيوفك ؟
من أنتم ينبغي أن أعرف الضيف كي أفيه حق الضيافة , الظلام يمنعني رؤيتكم ,,ُتصدرون جلبة تثير فزع السكان .
فزع ؟ سكان ؟ نعرف أنك وحدك تقيم بهذا المنزل القديم الكبير . ما جئناك بشر .نعتذر لإثارة هلعك .لو شئت انصرفنا .
كأنكم تعرفون عنيّ كل شيء ؟
خيّم صمت, وخزني ضميري , لامتني نفسي : ما هكذا تردّ من قدم إليك! لم تُربى على هذا !, فانبريت معتذراً , لكن ظل سؤالي يتردد بداخلي دون قدرة على إعلانه: من أنتم ؟

أتاني نفس الصوت من بعيد كأنما ينبعث من بئر عميقة : للمرة الثانية تُعلن عن خوفك بسؤالك من نحن ,تثير زوبعة من غضب كتوم بيننا , كأنك ترانا تركة ثقيلة تسعى للخلاص منها , لم ترحب بنا بل استقبلتنا متوجسا, ثم بدا أن صوته يضمحل ثانية بعد أخرى كأنما ينصرف .في إثره تُسرع خطوات كثيرة ,أقدام ثقيلة , أصغيت جاهدا لتبيّن كلماته المتانثرة الوافدة من بعيد صحت بأعلى صوتي : أعتذر عن رعونتي , فما سألت إلاّ لضعف بداخلي وخوف نشأت عليه فقد جئتموني دون توقع , تبدّد صوتي دون طائل , عدت لغرفتي كدرا , لا زلت صبيحة كل يوم في السابعة صباحا أو بالأحرى في السادسة و الدقيقة الثامنة و الخمسين , أصحو من نومي .صمت مريب يأخذ بخناق " المنبّه " يمنعه من الصراخ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.