أعلان الهيدر

الخميس، 21 يونيو 2018

الرئيسية قراءة تذوقيه لقصة فستان زفاف للكاتبة إيمان سعيد حسن

قراءة تذوقيه لقصة فستان زفاف للكاتبة إيمان سعيد حسن



بقلم / سعاد الزامك


فستان زفاف" عنوان حالم مكون من كلمتين في صورة نكرة و لكن فحواهما مُعَرّف فمَنْ من الإناث أو الرجال لا يعرف فستان الزفاف بهيئته الشهيرة و لونه الأبيض البهيج و زينته الفخمة بكل ما تحويه من زخارف و لآلئ و غيرها من الخيوط الفضية و الذهبية ؟!! إذن جاء العنوان مُعرفا برغم تنكير كلماته . بمجرد قراءة العنوان يتخيل القارئ بأن فحوى القصة عن فتاة تحلم بفستان زفاف أو تستعد للزفاف أو تشتهيه و لكن يفاجئ المتلقي بأن المضمون على خلاف ما توقع و هنا تبلغ ذروة الروعة و الدهشة .
ذلك الفستان المُشتهى و الذي تمر يوميا بطلة القصة على اتيليه فساتين الزفاف للبحث عنه دون ملل أو كلل حتى حفظت تفاصيله و مكوناته الزخرفية ، و في كل يوم تجد فستانا جديدا ينتظرها و ترتديه أمام البائعة التي تعرضه عليها لعمل بروفة له ، ثم تخرج من متجر الفساتين لآخر للدمى لتشتري دمية جديدة لها . يتسلل الحدث بأحداق القارئ المتلهف للاستزادة من متعة القراءة حتى تلطمه الكاتبة بمفاجأة جديدة فللبطلة أبناء أحدهم ابنة بالمرحلة الثانوية و ثانٍ طفل صغير ، أكانت تتابع تطورات فساتين الزفاف من أجل ابنتها الشابة كأمل كل الأمهات في رؤية بناتهن يتبخترن فيه في أجمل حفل زفاف ؟ لكن لِمَ ترتديه هي و لا تصطحب ابنتها لتجربته ؟
ثم تدلف الكاتبة بنا إلى مهجع البطلة حيث اصفرار وريقات عمرها و انشطار الكيان الزوجي إلى شطرين لا يندمجان ككيان واحد بسبب حسابات الزوج البحتة و صقيع فراشه ، فتتمنى البطلة تَغُيُر العملية الحسابية لحياتها من ( ١+١=٢) حسب حسابات الزوج الذي لم يأبه لمغادرتها حجرته إلى حجرة ابنتهما ما دامت تؤدي وظيفتها المهجعية اليومية الذي تنتهي دائما بفوز أنانيته و هزيمة كينونتها لتصبح (١+١=١) تبعا لتطلعات مشاعرها المكبوتة و المدفونة أسفل ركام الواقع .
يأسرها الساعي الجديد بنظراته بنظرته التي ( تأتى من زمن بعيد ) كما عبرت عنها الكاتبة لتوضح لنا مدى اختلافها عن نظرات الزوج الحانقة الساخرة منها ، تلك النظرة التي سرقتها من خريف المشاعر إلى ربيع مُبتغى تلتئم فيه روحها المشطورة و تثمر فيه بساتينها من جديد . تلاحقها نظرات العاشق (فارسها من كتاب عشق قديم مهمل ) أينما حلت و أينما ذهبت ، حتى هامت معه في ( كهفه القادم من غياهب العصور الأولى ) لتنعم معه بمزيد من الرجولة و العشق و الشهامة حتى و إن كان مجرد زفرات حلم ضائع .
قصة أكثر من رائعة بما تحويه من مضامين و محاور متعددة ، حيث تعبر الكاتبة بأسلوبها المتميز عن "ثالوث الحب" حيث دائما يتواجد و إن نكره البعض ، هذا الثالوث الذي يتشكل من ثلاثة أضلاع ، فلكل طرف مُحِب طرفان آخران محبين ، ربما كان المحب يحب طرفا يحب غيره ، أو طرفان متحابان و ثالث يحب أحدهما و غيرهما من حالات الحب المتراكب المعقد . تنقلت الكاتبة بين الأحداث و المشاهد بحرفية حيث صورت الزوجة حالمة المشاعر ذابل ربيعها على فراش زوج ذي مشاعر باردة ، أما الطرف الثالث فقد تفرع لشقين أولهما المدير المتصابي المتحرش و ثانيهما الساعي الجديد الذي كان له التأثير الأكبر على عقل الزوجة الباطن ، فراحت تتنسم همساته و نظراته في لياليها قارسة البرد الخالية من دفء الزوج لتستصلح ما جففه خريف الزوجية و تستنسخ ربيعا جديدا لحياتها .
نجحت كذلك الكاتبة في دمج محاور القصة المتعددة بأسلوب منمق و مفردات سلسة بلا تحذلق أو مغالاة و قد دمجت مقاطع من أغاني محمد منير لتعبر عن مشاعر بطلتها في ظروفها المختلفة فكان نتاج ذلك عدم شعور المتلقي بالشرود أو التعددية أو الملل .. تحياتي للكاتبة إيمان سعيد حسن و تمنياتي لها بمزيد من الإبداعات و العطاءات الأدبية المتميزة .

سعاد الزامك





فستان زفاف

في الردهة المنتهية بمكتب المدير، تتباطأ خطواتي ، أعرف جيدًا ماذا يريد هذا العجوز المتصابي ، أدخل المكتب متجاهلة نظراته التي تفترس جسدي ، أضع أمامه الأوراق ، ينتهى من مراجعتها و توقيعها ، تمتد يده نحوى بالأوراق ، أمسك بها تلمس يداه يدى - عن قصد – أسحبها ، أدفع الباب خلفي في ضيق " هذا الخرف لن يتوقف عن سخافاته ، تضحك " مها " و تقسم لي انها رأته يشاهد أفلام إباحية على هاتفه المحمول ، أمسك بحقيبتي
ــ علي الذهاب الآن ليس أمامي وقت ، تناديني :
ــ انتظرِ نشرب شيئا من يد الساعي الجديد .
-ليس لدى وقت أريد أن أنتهى من شراء بعض الأغراض و أمر على ( اتيليه ) فساتين الزفاف ابتعتُ ( ألبوم ) " منير" الجديد وفزتُ بصورته الملحقة بـ ( الألبوم ) ، أعُجبتُ بدمية دبدوب اشتريتها بدلًا من تلك التي استولت عليها بنت الجيران ، في طريقي للمنزل ( اتيليه ) " عروستي لفساتين الزفاف " ، أنهى عملي يوميًا باكرًا حتى يتوفر لدى وقت ، أشاهد فساتين الزفاف المعروضة لديهم ، سنوات طويلة أمر يوميًا من هذا الشارع أقضى أطول وقت ، أشاهدني في كل الفساتين المعروضة حتى ملت صديقاتي منى وما عادوا ينتظروني ، أكاد أجزم أنى حفظت مكان كل خرزة على كل فستان ، أخبروني أنهم أحضروا فستانًا جديدًا ينتظروني أقوم بعمل بروفة عليه ، تستقبلني صاحبة المعرض بضحكة واسعة ، أنا متأكدة أن هذا الفستان سيكون الأجمل عليكِ ، الأشياء التي أحملها كثيرة و البواب دائمًا لن أجده ، أصعد درجات السلم ، كاد نفسي أن ينقطع ، تقابلني " منى" - الله يا ماما دبدوب !
-عندك ثانوية عامة لابد ان تذاكري جيدًا بدلًا من اللعب بالدمى .
لم ينسَ يوميًا أن يسخر من سذاجتي لأنني مهتمة لشراء البومات " منير " وشراء دمى كثيرة ، و أدوات التجميل التي ملأت بها تسريحتي ، أردف سائلًا
-كم ثمن السرير الذى اشتريته ووضعتيه في حجرة " منى" ، " منى " هذا العام ثانوية عامة ستزعجينها بنومك معها في حجرتها .
أتظاهر بأنى منشغلة في حياكة الثوب أهمس لنفسي ( لم يفرق معك لماذا تركت سريرك ونمت مع ابنتي فقط تسأل عن ثمن السرير ، أرقام ، أرقام ، حياتك كلها أرقام 1+1=2 و لا يصح غير ذلك هل سيأتي يوما و يكون واحدًا صحيحًا بمنطقه الرياضي الذى كاد ان يخنقني لن يحدث ) يرقد جسدي تحت أنفاسه الباردة ورقة خريفية وطأتها أقدام منذ أزمان بعيدة تنتظر أن ينتهى تحللها ، و تتحول إلى تراب يطير إلى أي مكان آخر ، معركة شبه يومية سرعان ما تنتهى بسيفٍ واحد دائمًا المنتصر ، قطرات عرقه المتساقطة فوقي و مائه المتدفق لن يستطيعا يومًا أن يعيد الحياة لورقة الخريف ، يلقى بجسده المتعب بجواري و يغط في نوم عميق ، انسحب إلى سريري الجديد ، أعلق صورة ( منير ) و أستمع لغنائه حتى أغط في النوم ، وحدها أشعة الشمس الذهبية تستطيع إيقاظي تتسلل من النافذة قاصدة عيني تداعبني حتى استيقظ ، اليوم أجازة من العمل ما أطوله ! ، أعيد ترتيب البيت ، أصنع طعاما يكفي أسبوعا كاملًا ، مازال أمامي كثير من الوقت ، أنه الملل يلاحقني في هذا اليوم كظلي ، لن يرفع عينيه من الجريدة طوال اليوم ، سألني ابنى الصغير اذا كان لدى وقت أملي عليه درسًا في اللغة العربية ، بدأت في إملائه :
ــ اكتب يا " مازن " من أول السطر " هل سمعت عن حيوان الغرير من قبل ؟ إنه حيوان يشبه الدب ، ذو فراء ، يعيش في الغابات ، و له قدرة محدودة على الإبصار، غذاؤه المفضل هو عسل النحل فمن أين يحصل عليه ؟ لقد سخر الله له طائر " الصداح " يقوم بإصدار شقشقة معينة له ، فيسير على هديها ، مستعينا بقدرته السمعية الفائقة ، حتى يصل الى خلايا النحل ، فيلتهم من العسل اللذيذ ما يشاء .. و في طريق العودة يتساقط منه الشمع الملتصق بالعسل.. و لو سأل أحدكم و ما الذى يجنيه الطائر الصداح من هذا العمل.. لأخبرتكم بأنه لا يحب شيء في حياته بقدر ما يحب شمع العسل !!
سألني و أنا في طريقي للمكتب :
ــ أتأمرين بشيء للإفطار ؟
الساعي الجديد كما أخبرتني" مها " ، ناولني فنجان القهوة ، بالتأكيد كانت لمسة يداه مختلفة ، لم تزعجني ، متوسط الطول يشبه طولي ، عيونه واسعة خضراء اللون ، نظرته تأتى من زمن بعيد ، تبحث دومًا عن شيء ، لكنها تتوقف دائمًا في عيني ، تبوح بأشياء كثيرة ، تنكسر نظرتي خجلًا أمامها ، انشغل بشيء يلهيني عن عينيه ، تلاحقني نظراته أينما حللت ، حتى في معرض الفساتين لم أعد أرى الفساتين فقط أراه هو خلف زجاج المعرض ، أحاول عد خرز الفساتين تجذبني عيناه أخطئ العدد ، أعاود العد مرة اخرى ، تتباطأ خطوات العودة للمنزل ، ليلًا طويلًا لم يقطع صمته سوى صوت منير" يا عزيزة يا بنت السلطان لو يتغير الزمان و قابلتيني في أي مكان كنت أعشق من غير ما تقولي" في طريق طويل تحيطه الأشجار ، شبكت أصابعي في أصابعه ، سحب من جيبه نظارة شمسية وضعها فوق عيني ، هامسًا لي :" ليس لأحد أن يرى هذه العيون الجميلة غيري " ، غيرته كنسمات الهواء تخجلني و تسعدني و تشعرني بأن هنا امرأة جاءت لتوها مع فارسها من كتاب عشق قديم مهمل في كهف من العصور الأولى ، سألته
- هذه شقتك ؟ رقيقة تلك الشرفة الملحقة بها ، في حجرة ضيقة بها سرير و دولاب استلقى على سريره ، أشعل سيجارته تقدم أمامي نفث دخانها في وجهى ، تحت الدخان كانت ورقة الخريف تحاول العودة للحياة شعرت بجسدها للمرة الاولى ، بل عرفت جسدها للمرة الاولى ، انفرطت حبات الخرز من فستانها ملأت أرجاء الكهف ، ذابا مع دخان سجائره المتطاير، كان العسل والشمع من نصيبها ليس هنا جمعًا و لا طرحا ، فقط واحد مع واحد في كهف فارسها واحد فقط ، سهرت الليل كله في شرفتي ، أتحسس لمساته ، أسمع تنهداته ، أسمع صوتي ، يهمس " منير" في سكون ليلي " يا حلم نفسي تحلمه كل القلوب يا أعلى إحساس شدني خلاني أدوب خلاني أحس إني بشر " لم تغمض عيني ، سأفاجأ الشمس في هذا اليوم الجديد ، أني أشرقت على الأرض قبلها ، سأرسل لها أشعة عيني توقظها ، لقد أيقظتني سنوات طوال ، والآن جاء دوري بعد يوم طويل في العمل ، تمهلت أنا و صديقتي لشراء بعض متطلبات المنزل ، لم أهتم أي طريق سلكناه ، تتحدث لي لم أهتم لكلامها ، وقفت أمام البيت ، انحنت علي هامسة ، نسيتِ المرور على ( اتيليه ) فساتين الزفاف ولم أريد تذكيرك حتى لا أتعطل ، بضحكة خجلة لوحت لها " الى اللقاء"

ايمان سعيد حسن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.