أعلان الهيدر

الخميس، 18 يناير 2018

الرئيسية أمواج الغدر (من المجموعة القصصية حلم أشهب)

أمواج الغدر (من المجموعة القصصية حلم أشهب)


بقلم سعاد إلزامك
شعرَ بلوعةِ فراقِها ، جلسَ أمامَ لوحةٍ بيضاء بلونِ نقاءِ قلبِها الصغير ، أمسكَ فرشاتِه ، و بدأ في رسمِ ملامحها علّه يستأنسَ بها في عتمةِ كهفِ وحدتِه ، تعددتْ التفاصيلُ في ذاكرتِه ، اختلطتْ الملامحُ مع تفاصيل آخرِ لقاءٍ بينهما . تبسمَ حين تراءتْ أمامَ ناظريه بعينيها السابحتين في بحرِ البراءة ، تتخللهما دوامةٌ عميقةٌ من الحزن ، تلك الشفتان اللاتي تُحاكيان حبتي كُرزٍ شهية و تقطران شهداً يُثملُ بلا خمرِ بتلك البسمةِ الرقيقة ، ذلك الجسدُ المرمري الذي يتمايلُ كنسمةِ ربيعٍ هفهافة فيرسمُ تابلوهاً جميلاً لا تُضاهيه الطبيعةُ بجمالِها الفطري .

طلتْ من خلفِ دموعِه برداءِ العيدِ الجديدِ ذو الألوانِ الزاهية ، و ربطةِ الشعرِ الذهبية ، كانت تجري في حديقةِ منزلهم ممسكة ببالوناتِها زاهيةَ الألوان ، تتعالى ضحكاتُها التي تُغازلُ بها فراشاتٍ تُحلقُ عالياً مُصطحبة معها نظراتِها الفرحة . طلبتْ منه أن تذهبَ مع صديقاتها للتنزهِ في الحديقةِ المجاورةِ لمنزلِهم ، في المساء عُدنَ جميعاً إلا طفلته .

تتالتْ مشاهدُ بحثِه عنها كمشاهدِ فيلم كارتوني غير دقيق التفاصيل .. هادئ أحياناً و عنيفاً تارةً أخرى ، تُحيطه أسوارُ اللهفةِ للُقياها لتقيه لهيبَ اليأس . خروجه للبحثِ متدثراً بالأمل ، تِجواله الوديان و البراري برفقةِ ذلك الضابط الذي رَقَ لحالِ الأبِ المكلومِ و توسلاتِه الحارة لله كي يُعيدها إليه سالمة . تَمزُقْ سُتر الأملِ عند ذلك الشاطئ البعيد عندما لمحها ، و قد انتفخَ جسدُها الغضِ فبدى كبالونٍ قد أوشكَ على الانفجارِ للتحررِ من الهواءِ الثائرِ بداخلِه . كانت ثيابُها ممزقة ، ملامحُ العنفِ تُوشِمُ كلَ جسدِها ، و قد لفتها الطحالبُ الخضراءُ و كأنها أبتْ أن تتركها للعارِ وحيدة ، عودتُه بعد أن هدمته معاولُ الغدرِ عند هطول حلكة الليل البهيم .

غمسَ فرشاتَه في اللونِ الأسودِ ليخطَ خصلاتِ شعرٍ مسترسلة بانسجامٍ على صفحةِ الورقة ، غمسَها مراتٍ و مرات في عدةِ ألوان ثم أعادها إلى اللوحةِ ليرسمَ ملامحَها بخطوطٍ و مساحاتٍ تتأوه من لوعتِه . نظرَ إلى لوحتِه بعد أن أنهى آخرَ تفاصيلِها ، حملقَ مندهشاً عندما رأي ذلك الجسدِ الممددِ على الرمالِ ذو وجهٍ بلا ملامح ، و أمواجُ الغدرِ القادمة من أعالي البحارِ قد تعمدتْ طمسَ طهارته المفقودة .
سعاد الزامك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.